في الدنيا من تكذيب أو تصديق ﴿قضى بينهم﴾ أي في جميع الأمور بما أفاده نزع الخافض على أسهل وجه من غير شك بم أفاده البناء للمفعول ؛ ولما كان السياق بالترهيب أجدر، قال ﴿بالقسط﴾ أي أظهر خفياً من استحقاقهم في القضاء بالعدل والقسمة المنصفة بينهم كلهم بالسوية فأعطى كل أحد منهم مقدار ما يخصه من تعجيل العذاب وتأخيره كما فعل معك ؛ ولما كان ذلك لا يستلزم الدوام، قال :﴿وهم لا يظلمون*﴾ أي لا يتجدد لهم ظلم منه سبحانه ولا من غيره.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٩
ولما تقدم في هذه الآيات تهديدهم بالعذاب في الدنيا أو في الآخرة، حكى سبحانه جوابهم عن ذلك عطفاً على قوله :﴿ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه﴾ فقال :﴿ويقولون﴾ أي هؤلاء امشركون مجددين لهذا القول مستمرين على ذلك استهزاء :﴿متى هذا الوعد﴾ أي بالعذاب في الدنيا أو في الآخرة، وألهبوا وهيجوا بقولهم :﴿إن كنتم﴾ أي أنت ومن قال بقولك ﴿صادقين*﴾ والقول كلام مضمن في ذكره بالحكاية وقد يكون كلام لا يعبر عنه فلا يكون له ذكر بالحكاية -قاله الرماني، ولتضمين جعل الشيء في وعاء ؛ والوعد : خبر بما يعطي من الخير، والوعيد : خبر بما يعطى من الشر، وقد يراد الإجمال كما هنا فيطلق الوعد على المعنيين : وعد المحسن بالثواب والمسيء بالعقاب ؛ والصدق : الخبر عن الشيء على ما هو به ؛ والكذب : الخبر عنه على خلا ما هو به.
ولما تضمن قولهم هذا استعجاله ﷺ بما يتوعدهم به، أمره بأن يتبرأ من القدرة على شيء لم يقدره الله عليه بقوله :﴿قل﴾ أي لقومك المستهزئين ﴿لا أملك لنفسي﴾ فضلاً عن غيري ؛ لما كان السيااق للنقمة، قدم الضر منبهاً على أن نعمه أكثر من نقمة ؛ وأنهم في نعمه، عليهم أن يقيدوها بالشكر خوفاً من زوالها فضلاً عن أن يتمنوه فقال :﴿ضراً ولا نفعاً﴾.