بأنهم إذا ذاقوا مس العذاب وأخذتهم فواجئه الصعاب شغلتهم دواهيه عن العناد واضطرتهم أهواله إلى سهل الانقياد، فكان في غاية الحسن وضع تقريعهم على الاستعجال عقب الوعيد، ثم وضع التراخي عن الإيمان بالعناد بعد الإشراف على الهلاك ومعانيه التلف، فكان كأنه قيل : أخبروني على تقدير ان يأتيكم عذابه الذي لا عذاب أعظم منه - كما دل ذلك إضافته إليه - فبيتكم أو كاشفكم، ما تفعلون ؟ ألا تؤمنون ؟ فقالوا لا، فليعجل به ليرى، فناسب لما كان استعجالهم بعد هذا الإنذار تسفيههم على ذلك فقيل ﴿ماذا﴾ أي أي نوع منه يطلب عجلته ﴿المجرون﴾، ولا نوع منه الإ وهو فوق الطاقة ووراء الوسع، إن هذا لمنكر من الآراء، أفبعد تراخي إيمانكم عن مخايل صدمته ومشاهدة مبادئ عظمته وشدته أوجدتم الإيمان به عند وقوعه ؟ يقال لكم حين اضطرتكم فواجئه إلى الإيمان وحملتكم قوارعه على صيورة الإذعان :﴿آلئن﴾ تؤمنون به -أي بسببه - بعد أن أزال بطشاً قواكم وحل عزائم هممكم وأوهاكم ﴿وقد كنتم﴾ أي كوناً كأنكم مجبولون عليه ﴿به يستعجلون*﴾ أي تطلبون تعجيله طلباً عظيماً حتى كأنكم لاتطلبون عجله شيء غيره تكذيباً وعزماً علىالثبات على العناد، لو وقع فلم نقبل إيمانكم هذا منكم ولا كف عذابنا عنكم، بل صيركم كأمس الدابر.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٥١