ولما كان ما ذكر هو العذاب الدينوي، أتبعه ما بعده إعلاماً بأنه لا يقتصر عليه في جزائهم فقال :﴿ثم قيل﴾ أي من أيّقائل كان استهانه ﴿للذين ظلموا﴾ أي وبعد أزّكم في الدنيا والبرزخ بالعذاب وهزّكم بشديد العقاب قيل لكم بوم الدين بظلمكم بالآيات وبما أمرتم به فيها بوضعكم كلاَّ منذلك في غير موضعه :﴿ذوقوا عذاب الخلد﴾ فالإتيان ب " ثم " إشارة إلى تراخي ذلك عن الإهلاك في الدنيا بالمكث في البرزخ أو إلى أن عذابه أدنى من عذاب يوم الدين ﴿هل تجزون﴾ بناه للمفعول لأن المخيف مطلق الجزاء ؛ ولما كان الاستفهام الإنكاري بمعنى النفي، وكان المعنى : بشيء، استثنى منه فقال :﴿إلا بما كنتم﴾ أي بجبلاتكم ﴿تكسبون*﴾ أي في الدنيا من العزم على الاستمرار على الكفر ولو طال المدى لاتنفكون عنه بشيء من الأشياء وإن عظم، فكان جزاءكم الخلود في العذاب طبق النعل بالنعل ؛ والعذاب : الألم المستمر، وأصله طلب الطعم بالفم في ابتداء الأخذ.
ولما انقضى ما اشتملت عليه الآية من التهديد وصادع الوعيد، أخبر تعالى أنهم صاروا إلى ما هو جدير بسامع ذلك من النزول عن ذلك العناد إلى مبادئ الانقياد بقوله تعالى :﴿ويستنبئونك﴾ عطفاً على قوله " ويقولون متى هذا الوعد " أي ويطلبون منك
٤٥٢
الإنباء وهو الإخبار العظيم عن حقيقة هذا الوعد الجسيم، ويمكن أن أن يكون ذلك منهم على طريق الاستهزاء كالأول، فيكون التعجب ولتوبيخ فيه بعد ما مضى من الأدلة أشد ﴿أحق هو﴾ أي أثابت هذا الذي تتوعدنا به ام هو كالسحر لا حقيقية له كما تقدم أنهم قالوه ﴿قل﴾ أي في جوابهم ﴿إي وربي﴾ أي المحسن إليّ المدبرلي والمصدق لجميع ما آتى به ؛ ولما كانوا منكرين، أكد قوله :﴿إنه لحق﴾ أي كائن ثابت لا بد من نزوله بكم.
ولما كان الشيء قد يكون حقاً، ويكون الإنسان قادراً على دفعه فلا يهوله، قال نفياً ذلك :﴿وما أنتم﴾ أي لمن توعدكم ﴿بمعجزين*﴾ فيما يراد بكم.


الصفحة التالية
Icon