ولما نفى ما رموه به على هذا الوجه البليغ، أثبت له ضده باشراف ما يكون من صفات الخلق، فقال مستدركاً - بعد نفي الضلال - إثبات ملزوم ضده :﴿ولكني رسول﴾ أى إليكم بما امرتكم به فانا على اقوم طريق ﴿من رب العالمين﴾ أي المحسن إليهم بإرسال الرسل لهدايتهم بإنقاذهم من الضلال، فرد الأمر عليهم بألطف إشارة ؛ ثم استأنف الإخبار عن وظيفة بياناً لرسالته فقال :﴿أبلغكم﴾ وكأن ابواب كفرهم كانت كثيرة فجمع باعتبارها تعدد معجزاته أو تعدد نوبات الوحي في الأزمان المتطاولة والمعاني المختلفة، أو أنه جمع صحيفة عليهما السلام فقال :﴿رسالات ربي﴾ أى المحسن إليّ من الوامر والنواهي وجميع أنواع التكاليف من احوال الآخرة وغيرها، لا أزيد فيها أنقص منها كما هو شأن كل رسول مطيع ولما كان االضلال من صفات الفعل، واكتفى بالجملة الفعلية الدالة على حدوث في قوله :﴿وانصح﴾ وقصر الفعل ودل على تخصيص النصح بهم ومحضه لهم فقال :﴿لكم﴾ والنصيحة : الإرشاد إلى المصلحة مع خلوص النية من الشوائب المكروه، ولما كان الضلال من الجهل قال :﴿وأعلم من الله﴾ أي من صفات الذي له صفات الكمال وسائر شؤونه ﴿ما لا تعلمون﴾ أي من عظيم أخذه لمن يعصيه وغير ذلك مما ليس لكم قابلية لعلمه بغير سفارتي فخذوه عني تصيروا علماء، ولا تتركوه بنسبتي إلى الضلال تزدادوا ضلالاً ولما كان الحامل لهم على هذا مجرد استبعاد ان يختص عنهم بفضيلة وهو منهم كما سياتي في غير هذه السورة، أنكر ذلك عليهم بقولة :﴿أوعجبتم﴾ أى اكذبتم وعجبتم ﴿أن جاءكم﴾ وضمن جاء معنى أنزل، فلذلك جعلت صلته " على " فقال :﴿ذكر﴾ رسالة ﴿من ربكم﴾ أي المحسن إليكم بالإيجاد والتربية منزلاً ﴿على الرجل﴾ أى كامل في الرجولية وهو مع ذلك بحيث لا تتهمونه فأنه ﴿منكم﴾ لقولكم :﴿ما سمعنا بهذا﴾ أى إرسال البشر ﴿في آبائنا الأولين﴾ [المؤمنون : ٢٤] ﴿لينذركم﴾ لتحذروا ما ينذركموه ﴿ولتتقوا﴾ أي تجعلوا بينكم وبين ما تحذرونه وقاية لعلكم تنجون


الصفحة التالية
Icon