لك منها فلذا أدتك إلى قول لا حقيقة له، فالتنوين للتعظيم، فإن قيل : بل للتحقير، كأنهم توقفوا في وصفة بذلك كما توقفوا في الجزم بالكذب فقالوا :﴿وإنا لنظنك من الكاذبين﴾ أي المتعمدين للكذب، وذلك لأنه كان عندهم علم من الرسل وما يأتي مخالفهم من العذاب من قصة نوح عليه السلام ولم يكن العهد بعيداً وأما قوم نوح فجزموا بالضلال واكدوه بكونه مبيناً، لأنه لم يكن عندهم شعور بأحوال الرسل وعذاب الأمم قبل ذلك، ولهذا قالوا ﴿ما سمعنابهذا في آبائنا الأولين﴾ [المؤمنون : ٢٤] قيل : ليس كذلك، فقد ورد في جواب قوم نوح في سورة هود مثل هذا، وهو قوله ﴿بل نظنكم كاذبين﴾ [هود : ٢٧] ؛ فإن قيل : إنما كان هذا في ثاني الحال بعد ان نصب لهم الأدلة وأقام البراهين على صحة مدعاه وثارت حظوظ الأنفس بالجدال، فإنه يبعد أن يكون قومه أجابوه بذلك أول ما دعاهم، قيل والأمر كذلك في قصة هود عليه السلام سواء فإنه لم يقل له ذلك إلاالكفار من قومه فيقييدهم بالوصف يدل على أنه كان فيهم من اتبعه، بل وإن متبعه كان من أشرافهم هم بالظن، وتعبير في الكذب لإرادتهم أنه يكفي في وصفه بالسفاهة التي زعموها غقدامه على ما يحتمل معه ظنكم لكذبه، أو يكون قوله غير الحق في زعمهم مردداً بين أن يكون قاله عن تعمد أو حمله عليه ما رموه به من السفه من غير تامل الحلم بضده ما سموه بان ﴿قال﴾ معلماً الأدب في مخاطبة السفهاء ﴿ياقوم﴾ مذكراً بما بينهم من النسب الداعي إلى الود والمناصحة والعطف والملاطفة ﴿ليس بي سفاهة﴾ فنفى أن يكون به شيء من خفة حلم، فانتقى أن يكون كاذباً لأن الداعي إلى الكذب الخفة والطيش فلم يحتج إلى تخصيصه بنفي.


الصفحة التالية
Icon