سورة هود
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٩٧
مقصودها وصف الكتاب بالإحكام والتفصيل في حالتي البشارة والنذارة المقتضي ذلك لمنزلة سبحانه وضع كل شيء في أتم محاله وإنفاذه مهما أريد الموجب للقدرة على كل شيء، وأنسب ما فيها لهذاالمقصد ما ذكر في سياق قصة هو عليه السلام من أحكام البشارة والنذارة بالعاجل والآجل والتصريح بالجزم بالمعالجة بالمبادرة الناظر إلى أعظم مدارات السورة ﴿فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك﴾ والعناية بكل دابة والقدرة على كل شيء من البعث وغيره المقتضي للعلم بكل معلوم اللازم منه التفرد بالملك.
وسيأتي في الأحاف وجه اختصاص كل منهما باسمهما ﴿بسم الله﴾ أي الذي له تمام العلم وكمال الحكمة وجميه القدرة ﴿الرحمن﴾ لجميع خلقه بعموم البشارة والنذارة ﴿الرحيم*﴾ لأهل ولايته بالحفظ في سلوك سبيله ﴿الر﴾.
لما ختمت السورة التي قبلها - كما ترى - بالحث على اتباع الكتاب ولزومه والصبر على ما يتعقب ذلك من مرائر الضير المؤدية إلى مفاوز الخير اعتماداً على المتصف بالجلال والكبرياء والكمال.
ابتدئت هذه بوصفه بما يرغب فيه، فقال بعد الإشارة إلى إعادة القرع بالتحدي على ما سلف في البقرة :﴿كتاب﴾ أى عظيم جامع لكل خيرن ثم وصفه بقوله :﴿أحكمت﴾ بناه للمفعول بياناً لأن إحكامه أمر قد فرغ منه على أيسر وجه عنه سبحانه وأتقن إتقاناً لا مزيد عليه ﴿آياته﴾ أي أتقنت إتقاناص لا نقص معه فلا ينقصها الذي أنولها بنسخها كلها بكتاب آخر ولا غيره، ولا يستطيع غيره نقص شيء منها ولا الطعن في شيء من بلاغتها أو فصاحتها بشيء يقبل، والمراد بـ ﴿محكمات﴾ في آل عمران عدم التشابه.
ولما كان للتفصيل رتبة هي في غاية العظمة، أتي بأداة التراخي فقال :﴿ثم﴾ أي
٤٩٨
وبعد هذه الرتبة العالية التي ل يشاركه في مجموعها كتاب وذلك أنه ﴿فصلت﴾ أى جعلت لها - مع كونها مفصلة إلى حلال وحرام وقصص وأمثال - فواصل ونهايات تكون بها مفارقة لما بعدها وما قبلها، يفهم منها علوم جمة ومعارف مهمة وإشارات إلى أحوال عالية، وموارد عذبة صافية، ومقامات من كل علة شافية، كما تفصل القلائد بالفرائد، وهذا التفصيل لم يشاركه في شيء منه شيء من الكتب السالفة، بل هي مدمجة إدماجاً لا فواصل لها كما يعرف ذلك من طالعها، ويكفي في معرفة ذلك ما سقته منها في تضاعيف هذا الكتاب، وما أنسب ختام هذه الآية للإحكام والتفصيل بقوله :﴿من لدن﴾ أي نزلت آياته محكمة مفصلة حال كونها مبتدئة من حضرة هي أغرب الحضرات الكائنة من إله ﴿حكيم خبير﴾ منهية إليك وأنت أعلى الناس في كل وصف فلذلك لا يلحق إحكامها ولا تفصيلها، أرسلناك به قائلاً :﴿ألا تعبدوا﴾ أي بوجه من الوجوه ﴿إلا الله﴾ أي الإله الأعظم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٩٨