[الأعراف : ١٧٨]، فبدأ الاستجابة بنبيه ﷺ بذكر ما أنعم عليه وعلى من استجاب له فقال تعالى :﴿آلمص كتاب أنزل﴾ [الأعراف : ٢] فأشار إلى نعمته بإنزال الكتاب الذي جعله هدى للمتقين، واشار هنا ما يحمله عليه من التسلية وشرح الصدور بما جرى من العجائب والقصص مع كونه هدى ونوراً، فقال ﴿فلا يكن في صدرك حرج من﴾ [الأعراف : ٢] أي أنه قد تضمن مما أحلناك عليه ما يرفع الحرج ويسلي النفوس لتنذر به كما أنذر من قبلك ممن نقص خبره من الرسل، ولتستن في إنذارك ودعائك وصبرك سننهم، وليتذكر المؤمنون ؛ ثم أمر عباده بالاتباع لما أنزله فقال :﴿اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم﴾ الأعراف : ٣] فإنة هلاك من نقص عليكم خبره من الأمم إنما كان لعدم الاتباع والركون إلى أوليائهم من شياطين الجن والإنس، ثم أتبع ذلك بقصة آدم عليه السلام ليبين لعباده ما جرت سنته فيهم من تسلط الشياطين وكيده وأنه عدو لهم ﴿يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة﴾ [الأعراف : ٢٧] ووقع في قصة آدم هنا ما لم يقع في قصة البقرة من بسط ما اجمل هناك كتصريح اللعين بالحسد وتصور خيريته بخلقه من النار وطلبة الإنظار والتسلط على ذرية آدم والإذن له في ذلك ووعيده ووعيد متبعيه ثم أخذ في الوسوسة إلى آدم عليه السلام وحلفه له ﴿وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين﴾ [الأعراف : ٢١] وكل هذا مما أجمل في سورة البقرة حتى لم يتكرر بالحقيقة ولا التعرض لقصص طائفة معينة فقط، ومن عجيب الحكمة أن الواقع في السورتين من كلتا القصتين مستقل شاف، وإذا ضم بعض ذلك إلى بعض ارتفع إجماله ووضح كماله، فتبارك من هذا كلامه ومن جعله حجة قاطعة وآية باهرة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣


الصفحة التالية
Icon