ولما أعقب تعالى قصصهم في البقرة بأمره نبيه والمؤمنين بالعفو والصفح فقال تعالى ﴿فاعفوا واصفحوا﴾ [البقرة : ١٠٩] أعقب تعالى أيضاً هنا بقوله لنبيه عليه الصلاة والسلام ﴿خذ العفو وامر بالعرف وأعرض عن الجاهلين﴾ [الأعراف : ١٩٩] وقد خرجنا عن المقصود فلنخرج إليه انتهى
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣
ولما تقدم سبحانه إليه ﷺ في امر الإنذاروالإذكار بالكتاب تقدم إلى اتباعه فأمرهم باتباعه ونهاهم عن اتباع أهل الضلال وما يوحي إليهم أولياؤهم من زخارفهم بعد أن أخبر بكونه ذكرى أنه سبب لعلو شأنهم وعز سلطانهم، فقال متافتاً إليهم مقبلاً جلاله عليهم ﴿اتبعوا﴾ أي حملوا أنفسكم حملاً عظيماً بجد ونشاط على اتباع ﴿وما أنزل إليكم﴾ أى قد خصصتم به دون غيركم فاشكروا هذه النعمة ﴿من ربكم﴾ أي الذي محسناً إليكم ﴿ولاتتبعوا﴾ ولعله عبر بالافتعال إيماء إلى أن ما كان دون علاج-بل هفوة وبنوع غفلة - في محل العفو ﴿من دونه﴾ أي دون ربكم ﴿أولياء﴾ أي من الذين نهيناكم عنهم في الأنعام وبينا ضررهم لكم من شياطين الإنس والجن وعدم إغنائهم وأن الأمر كله لربكم.
ولما كانوا قد خالفوا في اتباعهم صريح العقل وسليم الطبع، وعندهم أمثلة ذلك لو تذكروا، قال منبهاً لهم على تذكر ما يعرفون من تصرفاتهم :﴿قليلاً﴾ وأكد التقليل ب " ما " النافي وبإدغام تاء التفعيل فقال :﴿ما تذكرون﴾ أي تعالجون أنفسكم على ذكر ما هو مركوز في فطركم الأولى فإنكم مقرون بأن ربكم رب كل شيء فكل من تدعون من دونه مربوب، وأنتم لا تجدون في عقولكم ولا طباعكم ولا استعمالاتكم ما يدل بنوع دلالة على ان مربوباً يكون شريكاً لربه.