ولما كان يعرف ما يعتقدونه من امانته وعقله، وظن أنه ما حملهم على هذا إلا العجب من ان يطلع على مالم يطلعوا عليه، أنكر عليهم ذلك ذاكراً لما ظنه حاملاُ لهم ملوحاً بالعطف إلى التكذيب فقال :﴿اوعجبم﴾ أى اكذبتم وعجبتم ﴿ان جاءكم ذكر﴾ أي شرف وتذكير ﴿من ربكم﴾ أي الذي لم يقطع إحسانه عنكم قط، منزلاً ﴿لينذركم﴾ أى يحذركم ما لمن كان على ما أنتم عليه من وخامة العاقبة ولما كان التقدير : فاحذروا، عطف عليه تذكيرهم بالنعمة مشيراً به إلى التحذير من عظيم النقمة في قوله :﴿واذكروا إذ﴾ أي حين ﴿من بعد قوم نوح﴾ أو يكون المحذوف ما اقتضاه الاستفهام في قوله ﴿او عجبتم﴾ من طلب الجواب، أى أجيبوا واذكروا، أى ولا تبادروا بالجواب حتى تذكروا ما انعم بع عليكم، وفيه الإشارة إلى التحذير مما وقع لقوم نوح، أو يكون العطف على معنى الاستفهام الإنكاري في ﴿افلا تتقون﴾ ﴿أوعجبتم﴾ أي اتقوا ولا تعجبوا واذكروا، او يكون العطف - وهو احسن على ﴿اعبدوا الله﴾ وقوله ﴿خلفاء﴾ قيل : إنه يقتضى أن يكونوا قاموا مقامهم، ومن المعلوم أن قوم نوح كانوا ملء الرض، وأن عاداً إنما كانوا في قطعة منها يسيرة وهي الشجرة من ناحية اليمين فقيل : إن ذلك لكون شداد بن عاد ملك جميع الأرض فكأنه قيل : جعل جعدكم خليفة في جميع الأرض، فلو حصل الشكر فيهم من ملك فأطيعوا يزيدكم من فضله، وقيل : إن قصة ثمود مثل ذلك، ولم يكن فيهم من ملك الأرض ولا أرض عاد، فاجيب بما طرد، وهو ان عاداً لما كانوا أقوى اهل الأرض ابداناً وأعظمهم أجساداً وأشدهم خلقاً أشهرهم قبيلة وذكراً، كان سائر الناس لهم تبعاً، وكذا ثمود فيما فيما أعطوه من القدرة على نحت الجبال ونحوها بيوتاً، وعندي أن السؤال من أصله لا يريد فإن بين قولنا : فلان خليفة فلان، وفلان خليفة من بعد فلان - من
٥٣


الصفحة التالية
Icon