ولما خوف المنذرون باليوم الكبير كانوا كأنهم قالوا : ما هذا اليوم ؟ فكان الجواب : يوم يرجعون إليه، ولما كانوا ربما حملوا الرجوع على مجرد الموت والصيرورة تراباً، نبههم على أنه بغير المعنى الذي يتوهمه بل بمعنى إعادتهم كما كانوا فقال :﴿إلى الله﴾ أى الملك المحيط بكل شيء قدرة وعلماً وحده ﴿مرجعكم﴾ أي رجوعكم ووقته ومكانه لأجل الحساب لا إلى التراب ولا غيره، وهو بكل شيء عليم، ومنه بدؤكم لأخذ الزاد للمعاد، وجعل فاصلة الآية حمكماً على المراد فقال :﴿وهو﴾ أي وحده ﴿على كل شيء﴾ أى ممكن ﴿قدير*﴾ أى بالغ القدرة لأنهم يقرون بقدرته على أشياء هي أعظم من الإعادة، فهو قادر على الإعادة كما قدر على البداءة، فالآية من الاحتباك : ذكر المرجع أولاً دليلاً على المبدأ ثانياً، وتمام القدرة ثانياً دليلاً على تمام العلم أولاً لأنهما متلازمان.
ولما تقدم من التخويف والإطماع ما هو مظنة لإقبالهم ورهبهم على التولي بخصوصه، فكان موضع ان يقال : هل أقبلوا ؟ فقيل : لا قال مبيناً أن التولي باطناً كالتوالي ظاهراً لأن الباطن هو العمدة، مؤكداً لأنه امر لا يكاد أن يصدق، والتأكيد أقعد في تبكيتهم :﴿ألا أنهم﴾ أى الكفار المعاندين ﴿يثنون صدروهم﴾ أى يطوونها وينحرفون عن الحق على غل من غير إقبال لأن من أقبل على الشيء عليه بصدره ﴿ليستخفوا منه﴾ أي يريدون أن يوجدوا إخفاء سرهم على غاية ما يكون من أمره.
٥٠٣