فإن كان مرادهم بالثني الاسستار من الله تعالى فالأمر في عود الضمير غيه سبحانه واضح، وإن كان من النبي ﷺ فالاستخفاء منه استخفاء ممن أرسله، ثم أعلم أن ذلك غير مغن عنهم لأنه يعلم سرهم وعلنهم في أخفى أحوالهم عندهم، وهو حين استغشاهم ثيابهم، فيغطون الوجوه التي تستقر عن بعض ما في القلوب للمتوسمين فقال :﴿ألا حين يستغشون ثيابهم﴾ أى يوجدون غشيانها أي تغطيتها لرؤوسهم، لاستخفاء كراهية لسماع كلام الله وأخبار رسوله ﷺ ﴿يعلم ما يسرون﴾ أي يوقعون إسراره في أيّ وقت كان ومن أيّ نوع كان من غير بطء لتدبر أو تأمل، ولما لم يكن بين علم السر والعلن ملازمة لاختصاص العلن بما يكون لغيبة او اختلاف بأصوات ولفظ أو اختلاف لغة ونحو ذلك قال تصريحاً :﴿وما يعلنون﴾ أي يوقعون إعلانه لا تفاوت في علمه بين إسرار وإعلان، فلا وجه لاستخفائهم نفاقاً، فإن سوق نفاقهم غير نافق عنده سبحانه.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٠٣
ثم علله بما هو أدق من ذلك كله مع شموله للنوعين فقال :﴿إنه عليم﴾ أي بالغ العلم جداً ﴿بذات الصدور*﴾ أي بضمائر قلبوهم التي في دواخل صدورهم التي يثنونها من قبل أن يقع لهم إضمارها، بل من قبل ان يخلقهم ؛ وأصل الثني العطف، ومنه الاثنان - لعطف احدهما على الآخر، والثناء - لعطف المناقب في المدح.