ولهذا لما قال العبد في الفاتحة ﴿الرحمن الرحيم﴾ بعد الجمد قال الله تعالى : أثنى عليّ عبدي - كما في حديث "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين" والاستثناء - لعطف الثاني على الأول بالاستخراج منه ؛ والاستخفاء : طلب خفاء الشيء : ثم اتبع ذلك بما يدل على شمول العلم والقدرة معاً فقال :﴿وما﴾ وأغرق في العموم بقوله :﴿من دآبة﴾ ودل على أن الانتفاع بالأموال مخصوص بأهل العالم السفلي بقوله :﴿في الأرض﴾ أى صغرت أو كبرت ﴿إلا على الله﴾ أى الملك الأعلى الذي، له الإحاطة وحده لا على غيره ﴿رزقها﴾ أى قوتها وما تنتفع وتعيش به بمقتضى ما أوجبه على نفسه، تحقيقاً لوصوله وحملاً على التوكل فيه، لأن الإفصال على كل نفس بما لا تعيش إلا به ولا يلائمها إلا هو مدة حياتها أدق مما مضى في العلم مع تضمنه لتمام القدرة، والآية مع ذلك ناظرة إلى ترغيب آية ﴿وأن استغفروا ربكم﴾ فالمراد : أخلصوا العبادة له ولا تفتروا عن عبادته للاشتغال بالرزق فإنه ضمنه لكم وهو عالم بكل نفس فلا تخشوا من أنه ينسى أحداً، وقال :﴿وفي الأرض﴾ ليعم ما يمشي على وجهها وما في أطباقها من الديدان ونحوها مما لا يعلمه إلا هو، لقد شاهدت داخل حصاة من شاطىء بحر قبرس شديدة الصلابة كأنها العقيق الأبيض دودة عندها ما تأكل، وأخبرني الفاضل عز الدين محمد بن أحمد
٥٠٤