التكروري الكتبي أنه شاهد غير مرة في دواخل حجارة تقطع من جبل مصر الدود عنده ما يأكل من الحشيش الأخضر وما يشرب من الماء ؛ ونبه بقوله :﴿ويعلم مستقرها﴾ أي مكانها الذي تستقر فيه ﴿ومستودعها﴾ أي موضعها الذي تودع فيه قبل الاستقرار من صلب أو رحم أو بيضة او بعده من قبر أو فلاة أو غير ذلك على ما يحيط به علمه من تفاصيلالسكانات والحركات ما كان منها وما يكون من كل ذلك مما يحير الفكر ويدهش الألباب، ثم جعل فاصلة الآية ما هو في غاية العظمة عند الحق وهو ﴿كل﴾ أي من ذلك ﴿في كتاب مبين*﴾ فغنه ليس كل ما يعلمه العبد يقدر على كتابته ولا كل ما يكتبه يكون مبيناً بحيث إنه كلما أراد الكشف منه وجد ما يريده، وإذا وجده كانمفهماً له ؛ والدابة : الحي الذي من شانه الدبيب ؛ والمستقر : الموضع الذي يقر فيه الشيء، وهو قراره ومكانه الذي يأوي إليه ؛ والمستودع : المعنى المجعول في قرارة كالولد الذي يكون في البطن والنطفة التي في الظهر، وقد جعل سبحانه في كتابه ما ذكر حكماً منها ما للملائكة فيه من العبرة عند المقابلة بما يكون من الأمور المكتوبة قبل وجودها.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٠٣
ولما كان خلق ما منه الرزق أعظم من خلق الرزق وتوزيعه في شمول العلم والقدرة معاً، تلاه بقوله :﴿وهو﴾ أي وحده ﴿الذي خلق﴾ أي أوجد وقدر ﴿السماوات والأرض﴾ وحده لم يشركه في ذلك احد كما أنتم معترفون ﴿في ستة ايام﴾ ولما كان خلق العرش اعظم من ذلك كله فإن جميع السماوات والأرض بالنسبة إليه كحلقة ملقاة في فلاة.
وأعظم من ذلك أن يكون محمولاً على الماء الذي لا يمكن حمله في العادة إلا في وعاء ضابط محكم، تلاه بقوله :﴿وكان﴾ أى قبل خلقه لذلك ﴿عرشه﴾ مستعلياً ﴿على الماء﴾ ولا يلزم من ذلك الملاصقة كما ان السماء على الأرض من غير ملاصقة.


الصفحة التالية
Icon