أعرض عن جوابهم وذكر لهم أنهم عاجزون عن دفاعه عند إيقاعه إعلاماً بأنهم عكسوا في السؤال، وتحقيقاً لأن ما استهزؤوا به لا حق بهم لا محالة، فقال مؤكداً لشديد إنكارهم :﴿ألا يوم﴾ وهو منصوب بخبر " ليس " الدال على جواز تقدم الخبر ﴿يأتيهم ليس﴾ أى العذاب ﴿مصروفاً عنهم﴾ أى بوجه من الوجوه ؛ وقدم الماضي موضع المستقبل تحقيقاً ومبالغة في التهديد فقال :﴿وحاق بهم﴾ أى أدركهم إذ ذاك على سبيل الإحاطة ﴿ما كانوا﴾ أي بجبلاتهم وسيىء طبائعهم، وقدم الظرف إشارة إلى شدة إقبالهم على الهزء به حتى كأنهم لا يهزؤون بغيره فقال :﴿به﴾ ولما كان استعجالهم استهزاء، وضع موضع يستعجلون قوله :﴿يستهزءون﴾ أى يوجدون الهزء به غيجاداً عظيماً حتى كأنهم يطلبون ذلك.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٠٥
ولما كان قولهم ذلك ناشئاً عن طبع الإنسان على الوقوف مع الحالة الراهنة والعمى عن الاستضاءة بنور العقل فيما يزيلها في العاقبة، بين ذلك ليعلم أن طبعه مناف لما تضمنه مقصود السورة من الإحكام الذي هو ثمرة العلم.
وبعلم ذلك يعلم مقدار نعمته على من حفظه على ما فطره عليه من أحسن تقويم بقوله مؤكداً لأن كل أحد ينكر ان يكون طبعه كذلك :﴿ولئن أذقنا﴾ أى بما لنا من العظمة ﴿الإنسان﴾ أي هذا النوع المستأنس بنفسه ؛ ولما كان من أقبح الخلال استملاك المستعار.
وكانت النعم عواري من الله يمنحها من شاء من عباده، قدم الصلة دليلاً على العارية فقال :﴿منا رحمة﴾ أي نعمة فضلاً منا عليه لا بحوله ولا بقوته من جهة لا يرجوها بما دلت عليه أداة الشك ومكناه من التلذذ بها تمكين الذائق من المذوق ﴿ثم نزعناها﴾ أى بما لنا من العظمة وإن كره ذلك ﴿منه﴾ أخذاً لحقنا ﴿إنه ليؤس﴾ أي شديد اليأس من ان يعود له مثلها ﴿كفور*﴾ أى عظيم الستر لما سلفه له من الإكرام لأن شأنه ذلك وخلقه إلا من رحم ربك ﴿ولئن أذقناه نعماء﴾ من فضلنا.