وكان فيما يشهد به إعجاز القرآن ببديع نظمه وباهر حكمه وحكمه وزاجر غرائبه ووافر علمه ما يغني عن ذلك، وكان في كل آية منه ما يبين للفهم سفساف قدحهم في الرسالة، كان موضع الإنكار له، فكان كأنه قيل : أيقولون ذلك تعنتاً منهم واقتراحاً وإعارضاً عن معجز القرآ فأعرض عنه فإنه لا يضر في وجه الدليل ﴿أم يقولون﴾ أى مكررين ﴿افتراه﴾ فكان ذلك موضع ان يقال : نعم، إنهم ليقولون ذلك فيقدحون في الدليل فماذا يقال لهم ؟ فقيل :﴿قل﴾ أي لهم على سبيل التنزل ﴿فأتوا﴾ يا معاشر العرب فإنكم مثلي في العربية واللسان والمولد والزمن وفيكم من يزيد عليَّ بالكتابة والقراءة ومخالطة العلماء والتعلم من الحكماء ونظم الشعر واصطناع الخطب والنثر وتكلف الأمثال وكل ما يكسب الشرف والفخر ﴿بعشر سور﴾ أى قطع، كل قطعة منها تحيط بمعنى تام يستدل فيها عليه ﴿مثله﴾ أي تكون العشر مثل جميع القرآن في طوله وفي مثل احتوائه على أساليب البلاغة وأفانين العذوبة والمتانة والفحولة والرشاقة حال كونها ﴿مفتريات﴾ أى أنكم قد عجزتم عن الإتيان بسورة أى قطعة واحدة آية أو آيات من مثله فيما هو عليه من البلاغة والإخبار بالمغيبات والحكم والأحكام والوعد والوعيد والأمثال وادعيتم مكابرة أنه مفترى فارغ عن الحكم فأتوا بعشر مثله في مجرد البلاغة غير ملزمين بحقائق المعني وصح المباني - ذكره البغوي عن المبرد، وقد مضى في البقرة عند ﴿فأتوا بسورة من مثله﴾ عن الجاحظ وغيره ما
٥١٠
يؤيده ؛ قال أبو حيان : وشان من يريد تعجيز شخص ان يطالبه اولاً بان يفعل أمثالاً مما يفعل هو، ثم إذا تبين عجزه قال : افعل مثلاً واحداً - انتهى.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥١٠


الصفحة التالية
Icon