فكأنهم تحدوا أولاً بجميع القرآن في مثل قوله :﴿فليأتوا بحديث مثله﴾ [الطور : ٣٤] أي في التحتم والتطبيق على الوقائع وما يحدث ويتجدد شيئاً في إثر شيء ثم قطع بعد عجزهم بدوام عجزهم في قوله تعالى :﴿قل لو اجتمعت الإنس والجن﴾ [الإسراء : ٨٨] تبكيتاً لهم وإخزاء وبعثاً على ذلك وإغراء، ثم تحدوا في سورة يونس عليه السلام بسورة واحدة مثل جميع القرآن غير معتنين فيها بالتفصيل إلى السور تخفيفاً عليهم واستهانة بأمرهمن فلما عجزوا تحدوا بعشر مفتراه، ولما خفف عنهم التقيد بصدق المعنى وحقيقة المباني، ألزمهم بما خففه عنهم في يونس من التفضيل ولم يخلهم من التخفيف إشارة إلى هوان أمرهم واحتقار شانهم بأن جعلها إلى عشر فقط، فلما عجزوا أعيد في المدينة الشريفة لأجل أهل الكتاب تحديهم بسورة، أي قطعة واحدة مقروناً ذلك بالإخبار بدوام عجزهم عن ذلك في قوله تعالى في البقرة ﴿فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا﴾ [البقرة : ٢٤]، فالمتحدى به في كل سورة غير المتحدى به في الأخرى، وقد مضى في يونس ولابقرة ويأتي في سبحان والطور إنشاء الله تعالى ما يتم به فهم هذا المقام، والبلاغة ثلاث طبقات فأعلاها معجز، وأوسطها وأدناها ممكن، والتحدي وقع بالعليا، وليس هذا أمراً بالافتراء لأنه تحدّ فهو للتعجيز وقوله :﴿وادعوا من استطعتم﴾ أي طلبتم أن يطيعكم ففعل، ولما كانت الرتب كلها تحت رتبته تعالى والعرب مقرة بذلك قال :﴿من دون الله﴾ أي الملك الأعلى.
وأشار إلى عجزهم بقوله :﴿إن كنتم صادقين*﴾ وفي ذلك زيادة بيان وتثبيت للدليل، فإن كل ظهير من سواهم دونهم في البلاغة، فعجزهم عجز لغيرهم بطريق الأولى.