ولما كان في هذا من الحث على الثبات على الإسلام والدخول فيه والوعيد على التقاعس عنه ما من حق السامع أن يبادر إليه، وكان حق المسلم الإعراض عن الدنيا لسوء عاقبتها، وكان أعظم الموانع للمشركين من التصديق اسستيلاء أحوال الدنيا عليهم، ولذلك تعنتوا بالكنز، أشار إلى عواقب ذلك بقوله :﴿من كان يريد﴾ أي بقصده وأعماله من الإحسان إلى الناس وغيره ﴿الحياة الدنيا﴾ أي ورضي بها مع دناءتها من الآخرة على علوها وشرفها ﴿وزينتها﴾ فأخلد إليه ا لحضورها ونسي ما يوجب الإعراض عنها من فنائها وكدرها ﴿نوف﴾ موصلين ﴿إليهم أعملهم﴾ أي جزاءها ﴿فيها﴾ أي الدنيا بالجاه والمال ونحو ذلك ﴿وهم فيها﴾ أي في الأعمال أو الدنيا ﴿لا يبخسون*﴾ أي لا ينقص شيء من جزائهم فيها، واما ابدانهم وأرواحهم وأديانهم فكلها بخس في الدارين معاً، وفي الجملتين بيان سبب حبس العذاب عنهم في مدة إمهالهم مع سوء أعمالهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥١٠
ولما بين حالهم في الدنيا، بين حالهم في الأخرى مشيراً بأداة البعد إلى أنهم أهل البعد واللعنة والطرد في قوله تنيجة لما قبله :﴿أولئك﴾ أي البعداء البغضاء ﴿الذين ليس لهم﴾ أي شيء من الأشياء ﴿في الآخرة إلا النار﴾ أى لسوء أعمالهم واستيفائهم جزاءها في الدنيا ﴿وحبط﴾ أي بطل وفسد ﴿ما صنعوا فيها﴾ أي مصنوعهم أو صنعهم أي لبنائه
٥١٢
على غير اساس ؛ ولما كان التقييد الحبوط بالآخرة ربما أوهم أنه شيء في نفسه قال :﴿وباطل﴾ أي ثابت البطلان في كل من الدارين ﴿ما كانوا يعملون*﴾ أي معمولهم أو عملهم وإن دأبوا فيه دأب من هو مطبوع عليه لأنه صورة لا معنى لها لبنائه على غير أساس ؛ واتلزينة : تحسين الشيء بغيره من لبسه أو حلية أو هيئة ؛ والتوفية : تأدية الحق على تمام ؛ وحبوط العمل : بطلانه، من قولهم : حبط بطنه - إذا فسد بالمأكل الرديء.