ولما اتضحت الحجج وانتهضت الدلائل فأغرقتهم عوالي اللجج، كان ذلك موضع الإنكار على من يسوي بين المهتدي والمعتدي، فكيف يفصل إما باعتبار النظر إلى الراسة الدنيوية غفلة من حقائق الأمور أو عناداً كمن قال من اليهود للمشركين : أنتم أهدى منهم، فقال :﴿أفمن كان على بينة﴾ أي برهان وحجة ﴿من ربه﴾ بما آتاه من ونر البصيرة وصفاء العقل فهو يريد الآخرة ويبني أفعاله على أساس ثابت ﴿ويتلوه﴾ أي ويتبع هذه البينة ﴿شاهد﴾ هو القرآن ﴿منه﴾ أي من ربه، أو تأيد ذلك البرهان برسالة رسول عربي بكلام معجز وكان ﴿من قبله﴾ أي هذا الشاهد مؤيداً له ﴿كتاب موسى﴾ أي شاهد ايضاً وهو التوارة حال كونه ﴿إماماً﴾ يحق الاقتداء به ﴿ورحمة﴾ أي لكل من اتبعه.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥١٢
ولما كان الجواب ظاهراً حذفه، وتقديره - والله أعلم : كمن هو على الضلالة فهو يريد الدنيا فهو يفعل من المكارم ما ليس مبنياً على أساس صحيح، فيكون في دار البقاء والساعدة هباء منثوراً ؛ ولما كن هذا الذي على البينة عظيماً، ولم يكن يراد به واحداً بعينه، استأنف البيان لعلو مقامه بأداة الجمع بشارة لهذا النبي الكريم بكثرة أمته فقال :﴿أولئك﴾ أي العالو الرتبة بكونهم على هدى من ربهم وتأيد هداهم بشاهد من قبله وشاهد من بعده مصدق له ﴿يؤمنون به﴾ أي بهذا القرآن الذي هو الشاهد ولا ينسبون ىلآتي به إلى أنه افتراه ﴿ومن يكفر به﴾ أي بهذا الشاهد ﴿من الاحزاب﴾ من جميع الفرق وأهل الملل سواء، سوى بين الفريقيين جهلاً أو عناداً ﴿فالنار موعده أي وعيده﴾ وموضع وعيده يصلى سعيرها ويقاسي زمهريرها.


الصفحة التالية
Icon