ولما عم بوعيد النار، اشتد تشوف النفس لما سبب عنه فقرب إزالة ما حملت من ذلك بالإيجاز، فاقتضى الأمر حذف نون " تَكن " فقيل :﴿فلا تكُ﴾ أي أيها المخاطب الأعظم ﴿في مرية﴾ أى شك عظيم ووهم ﴿منه﴾ أي من القرآن ولا يضيق صجرك عن إبلاغه، أو من الوعد الذي هو النار والخيبة وإن أنعمنا على المتوعد بذلك ونعمناه في الدنيا ؛ ثم علل النهي بقوله :﴿إنه﴾ القرآن أو الموعد ﴿الحق﴾ أى الكالمل، وزاد في الترغيب فيه بقوله :﴿من ربك﴾ أي المحسن إليك بانزاله عليك.
٥١٣
ولما كان كونه حقاً سبباً يعلق الأمل بإيمان كل من سمعهن قال :﴿ولكن أكثر الناس﴾ أى الذين هم في حيز الاضطراب ﴿لا يؤمنون﴾ بأنه حق لا لكون الريب يتطرق غليه بل لما على قلوبهم من الرين ويؤولون إليه من العذاب المعد لهم ممن لا يبدل القول لديه ولا ينسب الظلم إليه، والقصد بهذا الاستفهام الحث على ما حث عليه الاستفهام في قوله ﴿فهل أنتم مسلمون﴾ من الإقبال على الدين الحق على وجه مبين لسخافة عقول الممترين وركاكة آرائهم.
ولما كان الكافرون قد كذبوا على الله بما أحدثوه من الدي من غير دليل وما نسبوا إليه النبي ﷺ من الافتراء، أتبع ذلكك سبحانه قوله :﴿ومن أظلم﴾ أي لا أحد أظلم ﴿ممن افترى﴾ أي تعمد أن اختلق متكبراً ﴿على الله﴾ أى الملك الأعظم ﴿كذباً﴾ الآية، وهو موضع ضمير لو أتى به لقيل : لا يؤمنون ظلماً منهمن ومن أظلم منهم أي هم أظلم الظالمين، فاتى بهذا الظاهر بياناً لما كفروا به لأنه إذا علق الحكم بالوصف دل على أنه علته.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥١٢


الصفحة التالية
Icon