جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥١٥
ولما توعد الكافرين وأخبر عن مآلهم بسببه، كان موضع ان يسال عن حال المؤمنين فقال :﴿إن الذين آمنوا﴾ أي أوجدوا هذه الحقيقة ﴿وعملوا الصالحات﴾ ولما كان الحاصل ما مضى من وصف الكافرين بعد مطلق الأعمال السيئة الإعراض عن ربهم والنفرة عن المحسن غليهم جلافة وغلظة، وصف المؤمنين بالإقبال عليه والطمأنينة إليه فقال :﴿وأخبتوا﴾ أس خشعوا متوجهين منقطعين ﴿إلى ربهم﴾ أي المحسن إليهم فشكروه فوفقهم لاستطاعة السمع والبصر.
ولما ذكر وصفهم ذكر جزاءهم عليه بقوله :﴿أولئك﴾ أى العالو الرتبة ﴿أصحاب الجنة﴾ ولما كانوا مختصين بها أول أو بالخلود من أول الأمر، أعاد الضمير فقال :﴿هم فيها﴾ أى خاصة لا في غيرها ﴿خالدون﴾.
ولما استوفى أوصاف الحزبين وجزائهم، ضرب ببكل مثلاً بقوله :﴿مثل الفريقين﴾ أى الكافرين والمؤمنين، وهو من باب اللف والنشر المرتب، فإن الكافر ذكر فيما قبل أولاً ﴿كالأعمى﴾ أي العام العمى في بصره وبصيرته ﴿والأصم﴾ في سمعه كذلك، فهذا للكافرين ﴿والبصير﴾ بعينه وقلبه ﴿والسميع﴾ على أتم أحوالهما، وهذا للمؤمنين، وفي أفراد المثل طباق أيضاً ﴿هل يستويان﴾ أي الفريقان ﴿مثلاً﴾ أي من جهة المثل.
ولما كان الجواب قطعاًلمن له أدنى تأمل : لا يستويان مثلاً فلا يستويان ممثولاً، حسن تسبب الإنكار عنه في قوه :﴿أفلا تتذكرون﴾ أى يحصل لكم أدنى تذكر بما اشار إليه الإدغام فتعلموا صدق ما وصفوا به بما ترونه من أحوالهم، وذلك ما قدم في حق الكفار من قوله :﴿ما كانوا يستطيعون السمع﴾ الآية ؛ والإخبات : الخشوع المستمر على استواء فيه، وأصله الاستواء من الخبت، وهو الأرص المستوية الواسعة، ولعله وصله بإلى في موضع اللام إشارة إلى الإخلاص أي إخباتاً ينتهي إلى ربهم من غير أن يحجب عنه ؛ والمثل قول سائر يشبه فيه حال الثاني بحال الأول، والأمثال لا تغير عن صورتها.


الصفحة التالية
Icon