على إيمان أحد وإن كان أقرب الخلائق إليه وأعزهم عليه كما تقدمت الإشارة إليه في قوله تعالى :﴿فلا يكن في صدرك حرج منه﴾ وقوله :﴿وضائق به صدرك﴾ ويأتي في قوله :﴿وكُلاًّ نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك﴾ فوضح أن هذه القصص لهذا المعنى سيقت، وأن سياقها في الأعراف وغيرها كان لغير ذلك كما تقدم وأن تضمن هذا الغرض بيان إهلاك من كانوا أشد من العرب قوة وأكثر جمعاً وأمكن أمراً واقوى عناداً وأعظم فساداً وأحدّ شوكة وما اتفق في ديارهم من الطامات والأهوال المفظعات تحذيراً من مثل حالهم بارتكاب افعالهم، ففرق بين ما يساق للشيء وما يلزم منه الشيء، ولهذا الغرض المقصود هنا طولت قصة نوح في هذه السورة ما لم يطوله في غيرها، وصدرت بقوله :﴿إني﴾ أى قائلاً على قراءة الجمهور بالكسر، والتقدير عند ابن كثير وأبي عمرو والكسائي : ملتبساً بأني ﴿لكم﴾ أي خاصة ﴿نذير مبين﴾ أى مخوف بليغ التحذير، أبين ما أرسلي له غاية البيان، وذكر فيها أنه طالت مجادلته لهم وأنه لما اوضح له أمر الله تعوذ من السؤال فيه وفي كل ما يشبهه، وخللت قصته بقوله :﴿أم يقولون افتراه﴾ خطاباً لهذا النبي الكريم وختمت بقوله :﴿فاصبر إن العاقبة للمتقين﴾ وذكرت قصة إبراهيم عليه السلام لما ضمنته من أنه بشر الولد بما لم يجر بمثله عادة فلم يتردد فيه، وأنه جادل الرسل في قوم ابن أخيه لوط، وأنه لما تحقق حتم الأمر وبت الحكم سلم لربه مع كونه حليماً أواهاً منيباً إلى غير ذلك مما يؤمىء إليه سياق القصص، فكأنه قيل : إنما أنت نذير أرسلناك لتبلغ ما أرسلت به من الإنذار وإن شق عليهم وعزتنا لقد ارسلنا من قبلك رسلاً منذرين فدعوا إلى ما أمرت بالدعوة إليه وأنذروهم ما يششق عليهم من بأسنا امتثلاً لأمرنا وما تركوا شيئاً منه خوفاً من إعراض ولا رجاء في إقبال على أن أممهم قالوا لهم ما قالت لك أمتك كما يشير إليه قوله تعالى عن نوح :﴿ولا اقول لكم عندي خزائن الله﴾ - الآية، وقد


الصفحة التالية
Icon