ولما كانت العظمة عندهم منحصرة في عظمة الأتباع قالزا :﴿وما نراك﴾ ولما انفوا الرؤية عنه فتشوف السامع إلى ما يقع عليه من المعاني، بينوا أن مرادهم رؤية من اتبعه فقالوا :﴿اتبعك﴾ أي تكلف اتباعك ﴿إلا الذين هم﴾ أي خاصة ﴿اراذلنا﴾ أي كالحائك ونحوه، وليس منا رذل غيرهم، وهو جمع أرذل كأكلب جمع رذل ككلب، والرذل : الخسيسي الدنيء، وهذا ينتج أنه لم يتبعك أحد له قدر ؛ قالوا : و﴿اتبعك﴾ عامل في قوله :﴿بادى الرأي﴾ وهو ظرف أى اتبعوك بديهة نم غير تأمل، فاتباعهم لا يدل على سداد لما اتبعوه من وجهين : رذالتهم في أنفسهمك، وأنهم لم يفكروا فيه، لكن يضعفه إيراد الاتباع بصيغة الافتعال التي تدل على علاج ومجاذبة، فالأحسن إسناده - كما قالواه أيضاً - إلى أراذل.
أي أنهم بحيث لا يتوقف ناظرهم عند أول وقوع بصره عليهم أنهم سفلة أسقاط، ويجوز أن يكون المراد " بادى رايك " أي أنك تظن أنهم اتبعوك، ولم يتبعوك.
ولما كانوا لا يعظون إلا بالتوسع في الدنيا، قالوا :﴿وما نرى لكم﴾ أى لك لومن تبعك ﴿علينا﴾ وأغرقوا في النفي بقولهم :﴿من فضل﴾ أي شرف ولا مال، وهذا - مع مامضى من قولهم - قول من يعرف الحق بالرجال ولا يعرف الرجال بالحق، وذلك أنه يستدل على كون الشيء حقاً بعظمته في الدنيا، وعلى كونه باطلاً بحقارته فيها، ومجموع قولهم يدل على أنهم يريدون : لو صح كون النبوة في البشر لكانت في واحد ممن أقروا له بالعلو في الأرض، وعمل ﴿اتبعك﴾ في ﴿بادي﴾ يمنعه تمادي الاتباع على الإيمان، فانتفى الطعن بعدم التأمل ﴿بل نظنكم كاذبين*﴾ أي لكم هذا الوصف لازماً دائماً لأنكم لم تتصفوا بما جعلناه مظنة الاتباع مما يوجب العظمة في القلوب والانقياد للنفوس بالتقدم في الدنيا بالمال والجاه ؛ فكان داؤهم بطر الحق وغمط الناس، وهو احتقارهم، وهذا قد سرى إلى أكثر أهل الإسلام، فصاروا لا
٥٢٢


الصفحة التالية
Icon