ولما كان هذا ينبغي أن يكون سبباً للتصديق الذي سبب الرحمة، بين أنه إنما سبب لهم العذاب، وله ولمن تبعه النجاة، فبدأ المؤمنين اهتماماً بشأنهم بقوله :﴿فانجيناه﴾ أي بما لنا من العظمة إنجاء وحيّاً سريعاً سللناهم به من ذلك العذاب كسل الشعر من العجين ﴿والذين معه﴾ أى في الطاعة، وأشار إلى أنه لا يجب على الله بشيء بقوله :﴿برحمة﴾ أي بإكرام وحياطة ﴿منا﴾ أي لا بعمل ولا غيره ولما قدم افنجاء اهتماماً به، أتبعه حالهم فقال معلماً بأن أخذه على غيره أخذ الملوك الذين الإنجاء اهتماماً به، اتبعه حالهم فقال معلماً بأن أخذه على غير أخذ الملوك الذين يعجزون عن الاستقصاء في الطلب، فتوفتهم أواخر العساكر وشذاب الجنود والأتباع ﴿وقطعنا﴾ دابرهم أي آخرهم، هكذا كان الأصل ولكنه اظهر تصريحاً بالمقصود وبياناً لعلة أخذهم فقال :﴿دابر﴾ أى آخر، ايولم استأصلنا وجعلنا ذلك الاستئصال معجزة لهود عليه السلام ﴿الذين كذبوا بآيتنا﴾ أي ولم يراقبوا عظمتها بالنسبة إلينا وقوله :﴿وما كانوا﴾ أي خلقاً وجبلة ﴿مؤمنين﴾ عطف على صلة ﴿الذين﴾ وهي ﴿كذبوا بآيتنا﴾ وهي جارية مجرى التعليل لأخذهم مؤذنة بأنه لا يحصل منهم صلاح كما ختم قصة نوح بقول ﴿إنهم كانوا قوماً عمي﴾ [الأعراف : ٦٤] تعليلاً لإغراقهم، أي أنا قطعنا دابرهم وهم مستحقون لذلك، لأنهم غير قابلين للايمان لما فيهم من شدة العنادولزوم الإلحاد فالمعنى : وما كان الإيمان من صفتهم، أي مآمنوا في الماضي ولا يؤمنون في ىلآتي، فيخرج منه من آمن وكان قد كذب قبل إيمانه ومن لم يؤمن في حال دعائه لهم وفي علم الله انه سيؤمن، ويزيده حسناً أنهم لما افتتحوا كلامهم بان نسبوه إلى السفاهة كاذبين ؛ ناسب ختم القصة بان يقلب الأمر عليهم فيوصفوا بمثل ذلك صدقاً بكلام يبين أن اتصافهم به هو الموجب لما فعل بهم، لأن الإيمان لا يصدر إلا عن كمال الثبات والرزانة وترك الهوى وقمع رعونات النفس والانقياد لواضح الأدلة وظاهر


الصفحة التالية
Icon