الأشياء في غير مواقعها، وفي تعبيره بـ ﴿تجهلون﴾ دون ﴿جاهلين﴾ إشارة إلى أن الجهل متجدد لهم وهو غير عادتهم استعطافاً لهم إلى الحلم، ثم عطف إلى صريح الاستعطاف في سياق محذر من سطوات الله فقال :﴿ويا قوم﴾ أي الذين هم أعز الناس عليّ ﴿من ينصرني من الله﴾ أي الذي له جميع العظمة ﴿إن طردتهم﴾ ولو لم يشكوني إليه لاطلاعه على ما دق وجل : ولما تم الجواب عن ازدرائهم، سبب عنه الإنكار لعدم تذكرهم ما قاله لهم بما يجدونه في أنفسهم فقال :﴿أفلا تذكرون*﴾ أي ولو أدنى تذكر - بما يشير إليه الإدغام - فتعلموا أن من طرد صديقاً لكم عاديتموه وقصدتموه بالأذى، فترجعوا عما طرأ لكم من جهل إلى عادتكم مِنَ الحلم الباعث على التأمل الموقف على الحق ؛ والطرد : إبعاد الشيء على جهة الهوان ؛ والقوم : الجماعة الذين يقومون بالأمر، اسم جمع لا واحد له من لفظه ؛ والتذكير : طلب معنى قد كان حاضراً للنفس، والتفكر طلبه وإن لم يكن حاضراً.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٢٣
ولما كن نفيهم للفضل شاملاً للأموال وعلم الغيب، أقرهم على ذلك منبهاً على خطئهم فيه بأنه لم يقل بينهم قط ما يكون سبباً له، فقال عاطفاً على قوله ﴿لا أسئلكم عليه أجراً﴾ ؛ ﴿ولا أقول لكم﴾ أي في وقت من الأوقات ﴿عندي خزائن الله﴾ أى الملك الأعظم فأتفضل عليكم بها ؛ ولماكان من الجائز ان يمكن الله من يشاء من خزائن الأرزاق ونحوها فيسوغ له أن يطلق ملك ذلك مجازاً، ولا يجوز أن يمكنه من علم الغيب، وهو ما غاب عن الخلق كلهم، لأنه خاصته سبحانه، قال عاطفاً على ﴿أقول﴾ لا على المقول :﴿ولا اقول إني ملك﴾ فتكون قوتي افضل من قوتكم أو خلقي أعظم قدراً من خلقكم ونحو ذلك من الفضل الصوري الذي جعلتموه هو الفضل، فلا تكون الآية دليلاً على افضلية الملائكة، وتقدم في الأنعام سر إسقاطه ﴿لكم﴾.
ولما كان تعريضهم بنفي الملكية عنه من باب الإزراء، أتبعه تأكيد قبوله لمن آمن
٥٢٥


الصفحة التالية
Icon