فلما استوفى نقض ما أبرموه في زعمهم من جوابهم على غاية الإنصاف واللين والاستعطاف، استأنف الحكاية عنهم بقوله :﴿قالوا﴾ أى قوله من لم يجد في رده شبهة يبديها ولا مدفعاً يغير به :﴿يا نوح قد جادلتنا﴾ أي اردت فتلنا وصرفنا عن آرائنا بالحجاج وأردنا صرفك عن رأيك بمثل ذلك ﴿فأكثرت﴾ أى فتسبب عن ذلك وعن تضجرنا أنك أكثرت ﴿جدالنا﴾ أي كلامنا على صورة الجدال ﴿فأتنا﴾ أي فتسبب عن ذلك وعن تضجرنا أن نقول لك : لم يصح عندنا دعواك، ائتنا ﴿بما تعدنا﴾ من العذاب ﴿إن كنت﴾ أى ككوناً هو جبلة لك ﴿من الصادقين*﴾ أي العريقين في الصدق في أنه يأتينا فصرحوا بالعناد لامبعد من الإنصاف والاتصاف بالسداد وسموه باسمه ولم يسمحوا بأن يقولوا له : يا ابن عمنا، مرة واحدة كما كرر لهم : يا قوم، فكان المعنى أنا غير قابلين لشيء مما تقول وإن أكثرت وأطلت - بغير حجة منهم بل عناداً وكبراً فلا تتعب، بل قصر الأمر مما تتوعدنا به، وسموه وعداً سخرية به، أى أن هذا الذي جعلته وعيداً هو عندنا وعد حسن سار باعتبار أنا نحب حلوله، المعنى أنك لست قادراً عل ذلك ولا أنت صادق فيه، فإن كان حقاً فانبئنا به، فكأنه قيل : ماذا قال لهم ؟ فقيل :﴿قال﴾ جرياً على سنن قوله ﴿ولا اقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب﴾ :﴿إنما يأتيكم به الله﴾ أي الذي له الإحاطة بكل شيء فتبرأ من الحول والقوة ورد ذلك إلى من هو له، وأشار بقوله :﴿أن شاء﴾ إلى أنه مخير في إيقاعه وإن كان قد تقدم قوله به إرشاداً إلى
٥٢٦