ولما كان مضمون هذه الآية نحو مضمون قوله :﴿إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل﴾ فإن النذير من ينصح المنذر، والوكيل هو المرجوع غليه في أمر الشيء الموكول إليه، وما قبلها تعريض بنسبة نوح عليه السلام إلى الافتراء، تلاه بما تلا به ذاك من النسببة إلى الافتراء وإشارة إلى أن هذه القصص كلها للتسلية في أمر النذارة والتأسية فكأنه قيل : ايقولون لك مثل هذه الأقوال فقد قالوها لنوح كما ترى، ثم والى عليهم من الإنذار ما لم يطعموا معه في ترك شيء مما أمرناه به اعجبهم او أغضبهم، فلك به أسوة وحسبك به قدوة في أن تعد كلامهم عدماً وتقبل على ما ارسلناك به من بذل النصيحة بالنذارة :﴿أم يقولون﴾ في ا لقرآن ﴿افتراه﴾ إصراراً على ما تقولوه فدمغه الدليل وأدحضته الحجة فكأنه قيل : نعم، إنهم يقولون ذلك، فقيل : لا عليك فإنه قول يقصدون به مجرد العناد وهم يعلمون خلافه بعد ما قام عليهم من الحجج التي وصلوا معها إلى عين اليقين فلا يهمنك قولهم هذا، فإنهم يجعلونه وسيلة إلى تركك بعض ما يوحى إليك فلا تفعل، بل ﴿قل﴾ في جواب قولهم هذا ﴿إن افتريته﴾ أي قطعت كذبه ﴿فعليَّ﴾ أي خاصاً بي ﴿إجرامي﴾ أي وباله وعقابه دونكم وإذا استعلى عليَّ الإجرام عرف ذلك لأرباب العقول وظهر ظهوراً أفتضح به وأنتم أعرف الناس بأني ابعد من ذلك مما بين اجتماع الضدين وارتفاع النقيضين لما تعلمون مني من طهارة الشيم وعلو الهمم وطيب الذكر وشريف القدر وكريم الأمر، هذا لو كنت قادراً على ذلك فكيف وأنا وأنتم في العجز عنه سواء ﴿وأنا بريء﴾ أي غاية البراءة ﴿مما تجرمون*﴾ أى توجدون إجرامه، ليسعليَّ من إجرامكم عائد ضرر بعد أن أوضحته لكم وكشقت عنكم غطاء الشبه، إنما ضرره عليكم فاعملوا على تذكر هذا المعنى فإن سوق جوابهم على هذا الوجه أنكى لهم من إقامة حجة أخرى لأنهم يعلمون منه أنه إلزام لهم بالفضيحة لانقطاعهم لدى من له وعي، ويمكن أن يكون التقدير : هل انتبه قومك يا محمد فعلموا


الصفحة التالية
Icon