وأشار إلى شفقته على قومه وحبه لنجاتهم كما هو حال هذا النبي الكريم مع أمته فقال :﴿ولا تخاطبني﴾ أى بنوع مخاطبة وإن قلت ﴿في الذين ظلموا﴾ أي أوجدوا الظلم واستمروا عليه في أن أنجيهم ؛ ثم علل النهي بأن الحكم فيهم قد انبرم فقال :﴿إنهم مغرقون*﴾ قد انبرم الأمر بذلك ؛ والابتئاس : حزن في استكانة، لأن أصل البءس الفقر والمسكنة ؛ والوحي : إلقاء المعنى إلى النفس في خفاء، وقد يكون إفهاماً من غير كلام بإشارة ونحوها، وقد يكون بكلام خفي ؛ والفلك : السفينة، يؤنث ويذكر، واحده وجمعه سواء، وأصله الإدارة من الفلكة.
ولماأمر تعالى ونهاه، أخبر أنه امتثل ذلك بقوله عاطفاً على ما تقديره : فايس من إيمان أحد منهم فترك دعاءهم وشرع يسلي نفسه :﴿ويصنع﴾ أي صنعة ماهر جداً، له ملكة عظيمة بذلك الصنع ﴿الفلك﴾ فحلى فعله حالُ علمه بأنه سبحانه بت الأمر بأنه كان يعمل ما أمره به سبحانه ولم يخاطبه فيهم ولا أسف عليهم، وأشار إلى أنهم ازدادوا
٥٢٩
بغياً بقوله :﴿وكلما﴾ أي والحال أنه كلما ﴿مر عليه ملأ﴾ أي اشراف ﴿من قومه﴾ وأجاب " كلما " بقوله :﴿سخروا منه﴾ أي ولم يمنعهم شرفهم من ذلك، وذلك أنهم رأوا يعاني ما لم يروا قبله مثله ليجري على الماء وهو في البر وهو على صفة من الهول عظيمة فعن الحسن أن طوالها ألف ذراع ومائتا ذراع وعرضها ستمائة، فقالوا : يانوح! ما تصنع.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٢٨