ولما أتاه الأمر بذلك، بادر الامتثال فجمع من أمره الله به إلى السفينة لعد أن هيأها لهم ﴿وقال﴾ أى لمن أمر بحمله ﴿اركبوا﴾ ولما كنت الظرفية أغلب على السفينة قال :﴿فيها﴾ أي السفينة ؛ ولما أمرهم بالركوب فركبوا، استأنف قوله، أو أمرهم بالركوب قائلين :﴿بسم الله﴾ أى الذي له الإحاطة الكاملة ﴿مجراها ومرساها﴾ أي إجرائها وإرساءها ومحلهما ووقتهمانوقرأ الحسن وقتادة وحميد العرج وإسماعيل بن مجالد عن عاصم بكسر الراء والسين كسراً خالصاً بعده ياءان خالصتان على أن الاسمين صفتان للجلالة ؛ ثم علل نجاتهم بالإجراء والإرساء اعترافاً بأنه لا نجاة إلا بعفوه بقوله :﴿إن ربي﴾ أى المحسن إلي بما دبر مني هذا الأمر وغيره، وزاد في التأكيد تطبيقاً لقلوب من معه معرفاً لهم بأن أحداص لن يقدر الله حق قدره وأن العبد لا يسعه إلا الغفران فقال :
٥٣١
﴿لغفور﴾ أي بالغ الستر للزلات والهفوات ﴿رحيم*﴾ أي بالغ الإكرام لم يريد، فركبوها واستمروا سائرين فيها يقولون : بسم الله ﴿وهي﴾ أي والحال أنها ﴿تجري بهم﴾.
ولما كان الماء مهيئاً للإغراق، فكان السير على ظهره من الخوارق، وأشار إلى ذلك بالظرف فقال :﴿في موج﴾ ونبه على علوه بقوله :﴿كالجبال﴾ أى في عظمه وتراكمه وارتفاعه، فالجملة حال من فركبوها، المقدر لأنه لظهوره في قوة الملفوظ، وكان هذه الحال مع أن استدامة الركوب ركوب إشارة إلى شرعة امتلاء الأرض من الماء وصيرورته فيها أمثال الجبال عقب ركوبهم السفينة من غير كبير تراخ، قالوا : وكان أول ما ركب معه الذرة، وآخر ما ركب معه الحمار، وتعلق إبليس بذنبه فلم يستطيع الدخول حتى قال له نوح عليه السلام : ادخل ولو كان الشيطان معك - كذا قالوا، وقيل : إنه منع الحية والعقرب وقال : إنكما شبب الضر، فقالا : احملنا ولك أن لا نضر أحداً ذكرك، فمن قال ﴿سلام على نوح في العالمين* إنا كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين﴾ [الصافات : ٧٩ - ٨٠] لم تضراه.


الصفحة التالية
Icon