جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٣١
ولما كان ابتداء الحال في تفجر الأرض كلها عيوناً وانهمار السماء انهماراً - مرشداً إلى أن الحال سيصير إلى ما أخبر الله به من كون الموج كالجبال لا ينجي منه إلا السب الذي اقامه سبحانه، تلا ذلك بأمر ابن نوح فقال عاطفاً على قوله ﴿وقال اركبوا﴾ ﴿ونادى نوح ابنه﴾ أي كنعان وهو لصلبه - نقله الرماني عن ابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك ﴿وكان﴾ أي الابن ﴿في معزل﴾ أي عن أبيه في مكانه وفي دينه لأنه كان كافراً، وين أن ذلك المعزل كان على بعض البعد بقوله :﴿يا بني﴾ صغَّره تحنناً وتعطفاً ﴿اركب﴾ كائناً ﴿معنا﴾ أي في السفينة لتكون من الناجين ﴿ولا تكن﴾ أي بوجه من الوجوه ﴿مع الكافرين*﴾ أي في دين ولا مكان إشارة إلى أن حرص الرسل عليهم السلام وشفقتهم - وإن كانت مع رؤية الآيات العظام والأمور الهائلة - ليست سباً للين القلوب وخضوع النفوس ما لم يأذن الله، انظر إلى استعطاف نوح عليه السلام بقوله ﴿يابني﴾ مذكراً له بالنبوة مع تصغير التحنن والتراؤف وفظاظة الابن مع عدم سماحه بأن يقول : يا أبت، ولم يلن مع ما رأى من الآيات العظام ولا تناهى لشيء منها عن تقحم الجهل بدلاً من العلم وتعسف الشبهة بدلاً من الحجة.
ولما كان الحال حال دهش واختلال.
كان السامع جديراً بأن لا يصبر بل يبادر إلى السؤال فيقول : فما قال ؟ فقيل :﴿قال﴾ قول من ليس له عقل تبعاً لمراد الله ﴿سآوي إلى جبل يعصمني﴾ أي بعلوه ﴿من الماء﴾ أي فلا أغرق ﴿قال﴾ أي نوح عليه السلام ﴿لا عاصم﴾ أي لا مانع نم جبل ولا غير موجود ﴿اليوم﴾ أي لأحد ﴿من أمر الله﴾
٥٣٢
أي الملك الأعظم المحيط أمره وقدرته وعلمه، وهو حكمه بالغرق على كل ذي روح لا يعيش في الماء ﴿إلا من رحم﴾ أي إلا مكان من رحمة الله فإنه مانع من ذلك وهو السفينة، أو لكن من رحمه الله فإن الله يعصمه.
ولما ركب نوح ومن أمره الله به وأراده.


الصفحة التالية
Icon