ولم تبق حاجة في تدرج ارتفاع الماء، فعلاً وطماً وغلب وعتاً فهال الأمر وزاد على الحد والقدر، قال تعالى عاطفاً على ما تقديره : فلم يسمع ابنه ذلك منه بل عصى اباه كما عصى الله فأوى إلى الجبل الذي أراده فعلاً الماء عليه ولم يمكنه بعد ذلك اللحاق بأبيه ولا الوصول إليه :﴿وحال بينهما﴾ أي بين الابن والجبل أو بينه وبين أبيه ﴿الموج﴾ المذكور في قوله ﴿في موج كالجبال﴾ ﴿فكان﴾ أي الابن بأهون أمر ﴿من المغرقين*﴾ وهم كل من لم يركب مع نوح عليه السلام من جميع أهل الأرض ؛ قال أبو حيان : قل كانا يتراجعان الكلام فما استتمت لمراجعة حتى جاءت موجة عظيمة وكان راكباً على فرس قد بطر وأعجب بنفسه فالتقمه وفرسه وحيل بينه وزبين نوح عليه السلام فغرق - انتهى.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٣١
والركوب : العلو على ظهر الشيء، ركب الدابة والسفينة والبر والبحر ؛ والجري : مر سريع ؛ يقال : هذه العلة تجري في أحكامها، أي تمر من غير مانع، والموج جمع موجة - لقطعة عظيمة من الماء الكثير ترتفع عن حملته، وأعظم ما يكون ذلك إذا اشتدت الريح ؛ والجبل : جسم عظيم الغلظ شاخص من الأرض هو لها كالوتد ؛ والعصمة : المنع من الأفة ﴿وقيل﴾ أي بأدنى إشارة بعد هلاك أهل الأرض وخلوها من الكافرين وتدمير من في السهول والجبال من الخاسرين، وهو من إطلاق المسبب - وهو القول - على السبب - وهو لإرادة - لتصوير أمر ومأمور هو في غاية الطاعة فإنه أوقع في النفس.


الصفحة التالية
Icon