ولما كان كل شيء دون مقام الجلال والكبرياء والعزة بأمر لا يعلمه إلا الله، دل على ذلك بأداة البعد فقال ﴿يا أرض ابلعي﴾ أى اجذبي من غير مضغ إلى مكان خفي بالتدريج، وعين المبلوع لئلا يعم فتبتلع كل شيء على ظهرها من جبل وغيره، ولذلك أفرد ولم يجمع فقال :﴿ماءك﴾ أي الذي تجدد على ظهرك للإغراق ليكون كالغذاء للآكل الذي يقوي بدنه فيقوي به على الإنبات وسائر المنافع وجعله ماءها لاتصاله بها اتصال الملك بالمالك ﴿ويا سماء أقلعي﴾ أى أمسكي عن الإمطار، ففعلتا مبادرتين لأمر الملك الذي لا يخرج عن مراده شيء ﴿وغيض الماء﴾ أى المعهود، حكم عليه بالدبوب في أعماق الأرض، من المتعدي فإنه يقالك غاض الماء وغاضه الله، كما يقال : نقض الشيء ونقضته أنا ﴿وقضي الأمر﴾ أي فرغ وانبتّ وانبرم في إهلاك نم هلك ونجاة من نجا كما أراد الجليل على ما تقدم به وعده نوحاً عليه السلام، لم يقدر
٥٣٣
أحد أن يحبسه عنهم ولا أن يصرفه ولا أن يؤخره دقيقة ولا اصغر منها.


الصفحة التالية
Icon