لذلك وجه كما تقدم مثل ذلك في قوله تعالى ﴿إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم﴾ [التوبة : ٨٠] لأن أجنحة الخلق كسيرة وأيديهم قصيرة وأمرهم ضعيف وحالهم رث، فادنى هوان يورثهم الخسران، وأما جناب الحق ففسيح وشأنه عظيم وأمره عليّ، فلا يلحقه نفص بوجه ولا يداينه ضرر ولا يعتري أمره وهن، لما كان ذلك كذلك، سال نوح عليه السلام نجاة ولده كما أخبر عنه تعالى في قوله :﴿ونادى نوح ربه﴾ أى الذي عوده بالإحسان الجزيل، ودل سبحانه بالعطف بالفاء دون أن يأتي بالاستئناف المفسر للنداء على أن ما ذكر هنا من نداء نوح عليه السلام بعض ندائه وأن هذا المذكور مرتب معقب على شيء منه سابق عليه أقربه أن يكون ما أرشده إليه سبحانه في سورة المؤمنين ويشعر به قوله تعالى بعد هذا جواباً له ﴿يا نوح اهبط منها بسلام منا﴾ فيكون تقدير الكلام قال : رب أنزلني منزلاً مباركاً - وما قدر له من الكلام ﴿فقال﴾ أى عهقبة لما حمله على ذلك من رحمة النبوة وشفقة الأبوة وسجية البشر متعرضاً لنفحات الرحمة وعواطف العفو ؛ أو الفاء تفصيل لمجمل " نادى " مثل ما في : توضأ فغسل ﴿رب إن ابني﴾ أي الذي غرق ﴿من أهلي﴾ أي وقد أمرتني بحمل أهلي، وذلك الأمر محتمل للإشارة إلى إرادة نجاتهم ﴿وإن وعك الحق﴾ أي الكامل في نجاتهم إلا من سبق عليه القول، وقد علمت ذلك في المرأة الكافرة ﴿وأنت أحكم الحاكمين*﴾ لأنك أعلمهم، ومن كان أعلم كان أحكم فتعلم أن قولك ﴿إلا من سبق عليه القول﴾ يصح باستثنائها وحدها، فإن كان ابني ممن نجا فأتني به ؛ وإن كان هذا الدعاء عند حيلولة الموج بينهما فالمعنى : فلا تهلكه ﴿قال يا نوح﴾ وأكد في نفي ما تقدم منه إثباته فقال :﴿إنه ليس من أهلك﴾ أي المحكوم بنجاتهم لإيمانهم وكفره، ولهذا علل بقوله :﴿إنه عمل﴾ أي ذو عمل، ولكنه جعله نفس العمل في قراءة الجماعة مبالغة في ذمه، وذلك لأن الجواهر متساوية الأقدام في نفس الوجود لا تشرف إلا بآثارها، فين أنه ليس فيه أثر