ولما وضع الطعام بين أيديهم لم يلموا به ﴿فلما رأى ايديهم﴾ أى الرسل عقب الوضع سواء ﴿لا تصل إليه﴾ أي إلى العجل الذي وضعه ليأكلوه ﴿نكرهم﴾ أي اشتدت نكارته لهم وانفعل لذلك، وهذا يدل على ما قال بعض العلماء : إن نر أبلغ من أنكر ﴿وأوجس﴾ أى أضمر مخفياً في قلبه ﴿منهم خيفة﴾ أي عظيمة لما رأى من أحوالهم وشاهد من جلالهم، وأصل الوجوس : الدخول، والدليل - على أن خوفه كان لعلمه بالتوسم أنهم ملائكة نزلوا لأمر يكرهه من تعذيب من يعز عليه أو نحو هذا - أنهم ﴿قالوا لا تخف﴾ ثم عللوا ذلك بقولهم ﴿إنآ أرسلنآ﴾ أي ممن لا يرد أمره ﴿إلى قوم لوط﴾ فإنهم نفوا الخوف عنه بالإعلام بمن أرسلوا إليه، لا بكونهم ملائكة، قالوا ذلك وبشروه بالولد ﴿وامرأته﴾ أي جاءته الرسل بالبشرى أي ذكروها له والحال أن زوجة إبراهيم التي هي كاملة المروءة وهي سارة ﴿قآئمة﴾ قيل : على باب الخيمة لأجل ما لعلها تفوز به من المعاونة على خدمتهم، فسمعت البشارة بالولد التي دل عليها فيما مضى قوله
٥٥٣
﴿بالبشرى﴾ ﴿فضحكت﴾ أي تعجبت من تلك البشرى لزوجها مع كبره، وربما طنته من غيرها لأنها - مع أنها كانت عقيماً - عجوز، فهو من إطلاق المسبب على السبب إشارة إلى أنه تعجب عظيم ﴿فبشرناها﴾ أي فتسبب عن تعجبها أنا أعدنا لها البشرى مشافهة بلسان الملائكة تشريفاً لها وتحقيقاً أنه منها ﴿بإسحاق﴾ تلده ﴿ومن وراء إسحاق يعقوب﴾ أي يكون يعقوب ابناً لإسحاق، والذي يدل على ما قدّرته - من أنهم بشروه بالولد قبل امرأته فسمعت فعجبت - ما يأتي عن نص التوراة، والحكم العلد على ذلك كله قوله تعالى في الذريات ﴿قالوا لا تخف وبشروه بلام عليم فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهه﴾ [الذاريات : ٢٨ - ٢٩] - الآية.