ولما كان نظرهم بعد الشرك مقصوراً على الأموال، وكان نهيه عما نهيه عما نهى عنه موجباً لمحقها في زعمهم، كاوا كأنهم قالوا : إنا إذا اتبعناك فيما قلت فنيت أموالنا أو قات فتضعضعت أحوالنا، فلا يبقى لنا شيء ؟ فقال :﴿بقيت الله﴾ أي فضل الملك الأعلى
٥٦٥
المستجمع لصفات الكمال، وبركته في أموالكم وجميع أحوالكم وإبقائه عليكم نظره إليكم الموجب لعفوه الذي هو ثمرة اتباع أمره ﴿خير لكم﴾ مما تظنونه زيادة بالنقص والظلم، وذلك أن بقية الشيء ما فضل منه، وتكون أيضاً بمعنى البقيا، من أبقى عليه يبقي إبقاء، واستبقيت فلاناً - إذا عفوت عن ذنبه، كأن ذلك الذنب أوجب فناء وده أو فناه عندك، فإذا استبقيته فقد تركت ما كان وجب، ويقولون : أراك تبقي هذا ببصرط - إذا كان ينظر إليه - قاله الإمام أبو عبد الله القزاز في ديوانه الجامع، وسيأتي في آخر السورة بيان ما تدور عليه المادة.
ولما كلانت خيرية ما يبقيه العدل من الظهور بمحل لا يخفى على ذي لب، تركها وبين شرطها بقوله :﴿إن كنتم﴾ أي جبلة زطبعاً ﴿مؤمنين﴾ أي راسخين في الإيمان إشارة إلى أن خيرتها لغير المؤمن مبينة على غير اساس، فهي غير مجدية إلا في الدنيا، فهي عدم لسرعة الزوال والنزوح عنها والارتحال، ودلت الواو العاطفة على غير مذكور أن المعنى : فآمنوا فاعلين ما أمرتكم به لتظفروا بالخير فإنما أنا نذير ﴿وما أنا﴾ وقدم ما يتوهموننه من قصده للاستعلاء نافياً له فقال :﴿عليكم﴾ وأعرق في النفي فقال :﴿بحفيظ*﴾ أعلم جميع أعمالكم وأحوالكم وأقدر على كفكم عما يكون منها فساداً ؛ وأصل البقية ترك شيء من شيء قد مضى.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٦٥


الصفحة التالية
Icon