ولما كان الضار والمسلي نفس الاختلاف، بني للمفعول قوله :﴿فاختلف فيه﴾ فآمن به قوم وكفر به آخرون مع أنه إمام ورحمة وكتب سبحانه له قيه من كل شيء موعظة وتفصيلاً لكل شيء، وكان معجباً لأهل ذلك الزمان كما اختلف في كتابك مع إعجابه لأهل هذا الزمان وبيانه للهدى أتم بيان، إشارة إلى أن الخلق مهما جاءهم عن الله، وهو لا يكون إلاّ مصحوباً بالأدلة القاطعة نأوا عنه واختلفوا فيه، ومهما تلقفوه عن آبائهم تلقوه بالقبول وناضلوا عنه وسمحوا فيه بالمهج وإن كان منابذاً للعقول، فكان قوم موسى باختلافهم في الكتاب كل قليل يأبى فريق منهم بعض أحكامه ويريدون نقض إبرامه كما سلف بيانه غير مرة عن نص التوراة وسفر يوشع إلى أن آل أمرهم الآن إلى أن صاروا ثلاث فرق : ربانين، وقرابين، وسامرة ؛ يضلل بعضهم بعضاً، ومع ذلك فلم يعالجهم بالأخذ مع قدرته على ذلك كما فعل بمن قص أمره من الأمم لما سبق من حكمة بتأخيرهم إلى الأجل المعدود، وفصل بين هذا وبين قصة موسى عليه السلام مع فرعون ليكون مع ما دعا إلى تقديم ما تقدم من الآيات أوقع في التسلية وأبلغ في التعزية ولاتأسية كما هو شأن كل ما ألقى إلى المحتاج شيئاً فشيئاً ﴿ولولا كلمة﴾ أي عظيمة لا يمكن تغييرها لأنها من كلام الملك الأعظم ﴿سبقت من ربك﴾ أي المحسن إليك وإليهم بإرسالك رحمة للعالمين ﴿لقُضي﴾ أي لوقع القضاء ﴿بينهم﴾ أي بي من اختلف في كتاب موسى عاجلاً، ولكن سبقت الكلمة أن القضاء الكامل إنما يكون يوم القيامة كما قال في سورة يونس ﴿فما اختلفوا حتى جاءهم العلم﴾ - الآية.