ولما كان الفاصل بين المعطوف والمعطوف عليه يقوم مقام تأكيد الضمير المستتر، عطف عليه قوله :﴿ومن﴾ أي وليستقم أيضاً من ﴿تاب﴾ عن الكفر مؤمناً ﴿معك﴾ على ما أمروا تاركين القلق من استبطائهم للنصرة كما روى البخاري وابو داود والنسائي عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال : شكونا إلى رسول الله ﷺ وهو متوسد بردة في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة فقلنا : ألا تدعو الله لنا، فقعد وهومحمر وجهه فقال "كان الرجل فيمن كان قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه فيجاء بالمنشار فيوضع فوق رأسه فيشق باثنين، وما يصده ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم
٥٨٤
تستعجلون" ؛ وعن ابن عباس رضي الله عنهما : ما نزلت على النبي ﷺ آية اشد ولا أشق من هذه الآية.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٨١
والاستقامة : الاستمرار في جهة واحدة.
ولما كانت وسطاً بين إفراط وتفريط وكان التفريط لا يكاد يسلم منه إلا الفرد النادر، وهو في الأغلب يورث انكسار النفس واحتقارها والخوف من الله، وكان الإفراط يورث إعجاباً، وربما أفضى بالإنسان إلى ظن أنه شارع فينسلخ لذلك من الدين، طوى التفريط ونهى عن الإفراط فقال :﴿ولا تطغوا﴾ أي تتجاوزوا الحد فيما أمرتم به أو نهيتم عنه بالزيادة إفراطاً، فإن الله تعالى إنما أمركم ونهاكم لتهذيب نفوسكم لا لحاجته إلى ذلك ولن تطيقوا أن تقدروا الله حق قدره، والدين متين لن يشاده أحد إلا غلبه، فقد رضي منكم سبحانه الاقتصاد في العمل مع حسن المقاصد، ويجوز أن يكون المعنى : ولا تبطركم النعمة فتخرجكم عن طريق الاستقامة يمنة أو يسرة.