ولما كان كل موجود سوى الله في قهره وتحت أمره، قال تعالى :﴿وما لكم﴾ ولما كان دون رتبته تعالى من الرتب والذوات ما لا يحصيه غيره سبحانه، أدخل الجار تبعيضاً فقال :﴿من دون الله﴾ أي الملك لأعظم، وأعرق في النفي فقال :﴿من أولياء﴾ أي يخلصونكم من عذابه لما تقرر أن ﴿دون﴾ من الأدون وهو الأقرب إلى جهة السفل ؛ والوي : المختص بأن من شأنه تولي المعونة عند الحاجة، وأشار إلى أن نصر مَنْ لا ناصر له من الله محال بأداة البعد وبناء للمفعول فقال :﴿ثم لا تنصرون*﴾ أى ثم إذاً فإنكم هذا وذاك فما أبعدكم من النصرة! ولما كان العلم حاصلاً بما سبق من الحكم من أن الآدمي محل العجز والتقصير، أتبع ذلك بأعلى مكفر لما يوجبه العجز ويقضي به الفتور والوهن من الصغائر وأعمه وأجلبه للاستقامة، وذلك يدل على أنها بعد الإيمان افضل العبادات، فقال تعالى :﴿وأقم الصلاة﴾ أي اعملها على استواء ﴿طرفي النهار﴾ بالصبح والعصر كما كان مفروضاً بمكة في أول الأمر قبل الإسراء، ويمكن أن يراد مع ذلك الظهر لأنها من الطرف الثاني ﴿وزُلفاً﴾ أي طوائف ودرجا وأوقات، جمع زلفة ﴿من الّليل﴾ يمكن أن يكون المراد به التهجد، فقد كان مفروضاً في أول الإسلام، ويمكن أن يراد المغرب والعشاء مع الوتر أو التهجد ؛ ثم علل ذلك بقوله :﴿إن الحسنات﴾ أي الطاعات كلها الصلاة وغيرها المبنية على أساس الإيمان ﴿يذهبن السيئات﴾ أي الصغائر، وأما الكبائر
٥٨٦