ولما كن الصبر لله على المكاره أعلى الطاعة، أتبع ذلك قوله :﴿واصبر﴾ أي ليكن منك صبر على الطاعات وعن المعاصي ولا تترك إنذارهم بما أمرت به مهما كان ولا تخفهم، فإن العاقبة لك إذا فعلت ؛ ولما كان المقام الصبر صعباً والاستقامة على المحمود منه خاصة خطراً، وكانت النفس - لما لها من الجزع في كثير من الأحوال - كالمنكرة، أكدَّ قوله :﴿فإن﴾ الصبر هو الإحسان كل الإحسان وإن ﴿الله﴾ أي المحيط بصفات الكمال ﴿لا يضيع﴾ أي بوجه من الوجوه ﴿أجر المحسنين*﴾ أي العريقين في وصف الإحسان بحيث إنهم يعبدون الهكأنهم يرونه، فلذلك يهون عليهم الصبر، ولذلك لأن الطاعة كلفة فلا تكون إلا بالصبر، وكل ما عداها فهو هوى النفس لا صبر فيه، فلادين كله صبر "حفت الجنة بالمكاره والنار بالشهوات" ولذا فضل ثواب الصابر ﴿إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب﴾ [الزمر : ١٠] والصبر المحمود : حبس النفس عن الخروج إلى ما لا يجوز من ترك الحق، ونقيضه الجزع، قال الشاعر :
إن تصبر فالصبر خير مغبةً وإن تجزعا فالأمر ما تريان
٥٨٧
وهو من الصبر الذي هو المر المعروف لأنه تجرع مرارة الق بحبس النفس عن الخروج إلى المشتهى مع الزاجر المعتبر من الشرع والعقل، فهو أكره شيء إلى النفس، والمعين عليه ما في استشعار لزوم الحق من العز والأجر بالطاعة والعم بما يعقب من الخير في كل وجه وعادة النفس له، وقد غلب إطلاقه على االحق حتى لا يجوز إطلاقه إلا فيه - قاله الرماني.


الصفحة التالية
Icon