منكراً موبخاً عليها ؟ قال :﴿ما سبقكم بها﴾ وأغرق في النفي بقوله :﴿من أحد﴾ وعظم ذلك بتعميمه في قوله :﴿من العالمين﴾ فقد اختراعهم شيئاً لا يكون مثل فحشه لتذكروا أسوا ذكر، كما أن ذوي الهمم العوال والفضل والكمال يستنبطون من المحاسن والمنافع ما يبقى لهم ذكره وينفعهم أجره، وفي ذلك اعظم إشارة إلى تقبيح البدع والتشنيع على فاعليها، لأن العقول بمعرفة المحاسن، ولما ابهم الفاحشة ليحصل التشوف إلى معرفتها، عينها في استفهام آخر كالأول في إنكاره وتوبيخه ليكون أدل على تناهي الزجر عنها فقال :﴿أئتكم لتأتون الرجال﴾ أي تغشونهم غشاء النساء ؛ ولما أبقى للتشوق مجالاً، عين بقوله :﴿شهوة﴾ أي مشتهين، أو لأجل الشهوة، لا حامل لكم على ذلك إلا الشهوة كالبهائم التي لا داعي لها من جهة العقل، وصرح بقوله :﴿من دون النساء﴾ فلما لم يدع لبساً، وكان هذا ربما أوهم إقامة عذر لهم وجدان النساء أو عدم كفايتهم لهم، أضرب عنه بقوله :﴿بل أنتم قوم﴾ ولما كان المقصود هذه السورة الإنذار كان الأليق به افسراف الذي هو غاية الجهل المذكور في سورة النمل فقال ﴿مسرفون*﴾ أي لم يحملكم على ذلك ضرورة لشهوة تدعونها، بل اعتياد المجاوز للحدود، ولم يسم قوم لوط في سورة من السور كما سميت عاد وثمود وغيرهم صوناً للكلام عن تسميتهم، واما قوم نوح فإنما لم يسموا لعدم تفرق القبائل إذ ذاك، فكانوا لذلك جميع أهل الأرض ولذا عمهم الغرق - الله اعلم ولما كان كانه قيل : هذا التقريع يوجب غاية الاستحياء، بل إنه يذهب كل من سمعه منهم إلى كمان لا يعرف فيه ستراً لحاله، فيما ليت شعري ما كان حالهم عنده! فقيل : كان كانهم أجابوه بوقاحة عظيمه وفجور زائد على الحد، فما كان جوابهم إلا أذى لوط عليه السلام وآله بما استحقوا منهم به الإنذار الذي هو مقصود السورة، عطف عليه قوله :﴿وما كان جواب قومه﴾ أي الذين هم أخل قوة شديدة وعزم عظيم وقدرة على القيام بما يحاولونه ﴿إلا أن قالوا﴾ ولما


الصفحة التالية
Icon