ولما ثبت قطعاً بما أقام من الدليل على عظيم قدرته بما أودعه من الغرائب في ملكوته التي لا يقدر عليها سواه أن هذا إنما هو فعل واحد قهار مختار يوجد المعدوم ويفاوت بين ماتقتضي الطبائع اتحاده، كان إنكار شيء من قدرته عجباً، فقال عطفاً على قوله :﴿ولكن أكثر الناس لا يؤمنون﴾ [هود : ١٧] مشيراً إلى أنهم يقولون : إن الوعد بالبعث سحر لا حقيقة له ﴿* إن تعجب﴾ أي يوماً من الأيام أو ساعة من الدهر فاعجب من إنكارهم البعث ﴿فعجب﴾ عظيم لا تتناهي درجاته في العظم ﴿قولهم﴾ بعد ما رأوا من الآيات الباهرة والدلالات الناطقة بعظيم القدرة على كل شيء منكرين :﴿إذا كنا تراباً﴾ واختلط التراب الذي تحولنا إليه بالتراب الأصلي فصار لا يتميز، ثم كرروا التعجب والإنكار بالاستفهام ثانياً فقالوا :﴿إنا لفي خلق جديد﴾ هذا قولهم بعد أن فصلنا من الآيات ما يوجب أنهم بلقاء ربهم يوقنون، وهذا الاستفهام الثاني مفسر لما نصب الأول بما فيه من معنى ﴿أنبعث﴾، والتعجب : تغير النفس بما في خفي سببه عن العادة، والجديد : المهيا بالقطع إلى التكوين قبل التصريف في الأعمال، وأصل الصفة القطع ؛ قال الرماني : وقد قيل : لا خير فيمن لا يتعجب من العجب، وأرذل منه من يتعجب من غير عجب - انتهى، يعني : فالكفار تعجبوا من غير عجب : ومن تعجبهم فقد تعجب من العجب.