ولما كانت العادة قاضية بتفاوت العلم بالنسبة إلى السر والجهر، والقدرة بالنسبة إلى المتحفظ بالحرس وغيره، أتبع ذلك سبحانه بما نفي هذا الاحتمال عنه على وجه الشرح والبيان لاستواء الغيب والشهادة بالنسبة إلى علمه فقال :﴿سواء منكم﴾ أي في علمه ﴿من أسر القول﴾ أي أخفى معناه في نفسه ﴿ومن جهر به﴾ وفي علمه ﴿و﴾ قدرته ﴿من هو مستخف﴾ أي موجد الخفاء وطالب له أشد طلب ﴿باليل﴾ في أخفى الأوقات فسارب أو كامن فيه، يظن أن ذلك الاستخفاء يغنيه من القدرة ﴿و﴾ من هو ﴿سارب﴾ أي ذاهب على وجهه الأرض ومتوجه جارٍ في توجهه إلى قصده بسرعة ﴿بالنهار*﴾ متجاهر بسروبه فيه، فالآية من الاحتباك : ذكر ﴿مستخف﴾ أولاً دال على ضده ثانياً، وذكر ﴿سارب﴾ ثانياً دال على ضده أو مثله أولاً ﴿له﴾ أي لذلك المستخفي أو السارب - كما قاله ابن عباس رضي الله عنهما ﴿معقبات﴾ أي أعوان وأنصار يتناوبون في أمره بأن يخلف كل واحد منهم صاحبه ويكون بدلاً منه.
ولما كان حفظ جهتي القدام والخلف يستلزم حفظ اليمين والشمال وكان ملأ كل من الجهتين من الحفظة على المخلوق متعذراً، قال آتياً بالجار :﴿من بين يديه﴾ أي من قدامه ﴿ومن خلفه﴾ واستأنف بيان فائدة المعقبات فقال :﴿يحفظونه﴾ أي في زعمه من كل شيء يخشاه ﴿من أمر الله﴾ أي الذي له الإحاطة الكاملة.
١٣٠