ولما دل هذا على غاية القدرة، وجرت عادة المتمكنين من ملوك الأرض بالتعدي على جيرانهم واستلاب ممالكهم والعسف في شأنهم، زيادة في المكنة وتوسعاً في الملك، ولا سيما إذا كان ذلك الجار ظاناً مع ضعفه وعجزه أن يحفظه مانه من أخذه، أخبر تعالى من كأنه سأل عن ذلك أنه غير هذا لغناه عنه، فقال :﴿إن الله﴾ أي الذي له الإحاطة والكمال كله ﴿لا يغير ما بقوم﴾ أي خيراً كان أوشراً ﴿حتى يغيروا ما﴾ أي الذي ﴿بأنفسهم﴾ مما كانوا يزينونها به من التحلي بالأعمال الصالحة والتخلي من أخلاق المفسدين، فإذا غيروا ذلك غير ما بهم إذا أراد وإن كانوا في غاية القوة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٣٠
ولما كان ملوك الدنيا لا يتمكنون غالباً من جميع مراداتهم لكثرة المعارضين من الأمثال الصالحين للملك، قال تعالى عاطفاً على ما تقديره : فإذا غيروا ما بأنفسهم أنزل بهم السوء :﴿وإذا أراد الله﴾ أي الذي له صفات الكمال ﴿بقوم﴾ أي وإن كانوا في غاية القوة ﴿سوءاً فلا مرد له﴾ من أحد سواه، وقد تقدم لهذه الآية في الأنفال مزيد بيان.