ولما كان حمل الماء في العلو لا يمكن إلا عن قهر، وإنزاله في وقت دون غيره كذلك، أتبع هذا الختم قوله دليلاً مشاهداً عليه :﴿أنزل﴾ ولما كان الإنزال قد يتجوز به عن إيجاد ما يعظم إيجاد ما يعظم إيجاده، حقق أمره بقوله :﴿من السماء﴾ ولما كان المنزل منها أنواعاً شتى قال :﴿ماء فسالت﴾ أي فتسبب عن إنزاله لكثرته أن سالت ﴿أودية﴾ أي مياهها منها الكبير والصغير ؛ والوادي : سفح الجبل العظيم الذي يقابله جبل أو تل فيجمع فيه المطر، فيجري في فضائه، ومنه أخذت الدية - لجمع المال العظيم الذي يؤدي عن القتل ﴿بقدرها﴾ والقدر : اتزان الشيء بغيره من غير زيادة ولا نقصان، فالمعنى أن المياه ملأت الأودية مع ما ذلك من الدلالة على التفرد بالربوبية مما هو مثال للحق والباطل، وهو قوله :﴿فاحتمل﴾ والاحتمال : رفع الشيء على الظهر بقوة الحامل له ﴿السيل﴾ وهو ماء المطر الجاري من الوادي بعظم ﴿زبداً رابياً﴾ أي عالياً بانتفاخه : والزبد : الرغوة التي تعلو الماء، ومدار المادة على الخفة، ويلزمها العلو، ومنه زبد البحر والبعير - للرغوة الخارجة من شدقه، والغضبان، وزبدت المرأة القطن - إذا نفشته، والزباد - كرمان : ضرب من النبت تنفرش أفنانه، وشاة مزبدة أي سمينة، ومنه الزباد - للطيب المعروف وهو وسخ يشبه الرغوة يجتمع تحت ذنب نوع من السنانير، ومنه الزبد - بضم وسكون - لخالص اللبن فإنه أخفه، يقال منه : زبدت فلاناً أزبده - إذا أطعمته الزبد، ثم اتسع فيه حتى قيل لمطلق العطية، ومنه :" نهى النبي ﷺ وعلى آله وسلم عم زبده اللبن الزبادُ للنبت، فإنه مرعى ناجع، كأنه شبه به أو لأنه سببه، وكذا شاة مزبدة أي سمينة ويلزم الخفة الإسراع، يقال : تزبد اليمين - إذا أسرع إليها، أو إنها شبهت بالزبد في سهولة التقامه.


الصفحة التالية
Icon