ولما منح سبحانه من فيهم أهلية التذكر بالعقول الدالة على توحيده والانقياد لأوامره، كان كأنه عهد في ذلكن فقال يصف المتذكرون بما يدل قطعاً على أنه لا لب لسواهم :﴿الذين يوفون﴾ أي يوجدون الوفاء لكل شيء ﴿بعهد الله﴾ أي بسبب العقد المؤكد من الملك الأعلى بأوامره ونواهيه، فيفعلون كلاًّ منهما كما رسمه لهم ولا
١٤٥
يوقعون شيئاً منهما مكان الآخر ؛ والعهد : العقد المتقدم على الأمر بما يفعل أو يجتنب، والإيفاء : جعل الشيء على مقدار غيره من غير زيادة ولا نقصان.
ولما كان الدليل العقلي محتماً للثبات عليه كما أن الميثاق اللفظي موجب للوفاء به، قال تعالى :﴿ولا ينقضون الميثاق*﴾ أي الإيثاق ولا الوثاق ولا مكانه ولا زمانه ؛ والنقض : حل العقد بفعل ما ينافيه ولا يمكن أن يصح معه، والميثاق : العقد المحكم وهو الأوامر والنواهي المؤكدة بحكم العقل.
ولما كان أمر الله جارياً على منهاج العقل وإن كان قاصراً عنه لا يمكن نيله له من غير مرشد، قال :﴿والذين يصلون﴾ أي من كل شيء على سبيل الاستمرار ﴿ما أمر الله﴾ أي الذي له الأمر كله ؛ وقال :﴿به أن يوصل﴾ دون " يوصله " ليكون مأموراً بوصله مرتين، ويفيد تجديد الوصل كلما قطعه قاطع على الاستمرار لما تظافر على ذلك من دليلي العقل والنقل ؛ والوصل : ضم الثاني إلى الأول من غير فرج.
ولما كان الدليل يرشد إلى أن الله تعالى مرجو مرهوب قال :﴿ويخشون ربهم﴾ أي المحسن إليهم، من أن ينتقم منهم إن خالفوا بقطع الإحسان.
ولما كان العقل دالاً بعد تنبيه الرسل على القدرة على المعاد بالقدرة على المبدأ، وكان الخوف إيجاد مستمراً ﴿سوء الحساب*﴾ وهو المناقشة فيه من غير عفو، ومن أول السورة إلى هنا تفصيل لقوله تعالى أول البقرة ﴿ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب﴾ [البقرة : ١] مع نظره إلى قوله آخر يوسف ﴿ما كان حديثاً يفترى﴾ [يوسف : ١١١].
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٤٥


الصفحة التالية
Icon