ولما كان النقض ضاراً ولو كان في أيسر جزء، أدخل الجار فقال :﴿من بعد ميثاقه﴾ أي الذي أوثقه عليهم بما أعطاهم من العقول وأودعها من القوة على ترتيب المقدمات المنتجة للمقاصد الصالحة الدالة على صحة جميع ما أخبرت به رسله عليهم الصلاة والسلام والتحية والإكرام ؛ والميثاق : إحكام العقد بأبلغ ما يكون في مثله ﴿ويقطعون ما﴾ أي الشيء الذي ﴿أمر الله﴾ أي غير ناظرين إلى ما له من العظمة والجلال، وعدل عن أن يوصله لما تقدم قريباً فقال :﴿به أن يوصل﴾ أي لما له من المحاسن الجلية والخفية التي هي عين الصلاح ﴿ويفسدون﴾ أي يوقعون الإفساد ﴿في الأرض﴾ أي في أيِّ جزء كان منهم بوصل ما أمر الله به أن يقطع اتباعاً لأهوائهم، معرضين عن أدلة عقولهم، مستهينين بانتقام الكبي المتعال.
ولما كانوا كذلك، استحقوا ضد ما تقدم للمتقين، وذلك هو الطرد والعقاب والغضب والنكال وشؤم اللقاء، فقال سبحانه وتعالى :﴿أولئك﴾ أي البعداء البغضاء ﴿لهم اللعنة﴾ أي الطرد والبعد ﴿ولهم سوء الدار*﴾ أي أن يكون دارهم الآخرة سيئة بلحاق ما يسوء فيها دون ما يسر.
ولما تقدم الحث العظيم علىالإنفاق، وأشير إلى أنه من أوثقى الأسباب في الوصلة لجميع أوامر الله، وختم بأن للكافر البعد والطرد عن كل المؤمن مع وصله واتصاله، وما له لا يبسط له رزقه ليتمكن من إنفاذ ما أمر به إن كان ذلك حقاً ؟ فقيل :﴿الله﴾ أي الذي له الكمال كله ﴿يبسط الرزق﴾ ودل على تمام قدرته سبحانه وتعالى بقوله - جلت قدرته - :﴿لمن يشاء﴾ فيطيع في رزقه أو يعصي ﴿ويقدر﴾ على من يشاء فيجعل رزقه بقدر ضرورته فيصبر أو يجزع لِحكَم دقت عن الأفكار، ثم جعل ما للكافر سبباً في خذلانه، وفقر المؤمن موجباً لعلو شأنه، فليس الغنى مما يمدح به، ولا الفقر مما يذم به، وإنما يمدح ويذم بالآثار.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٤٧


الصفحة التالية
Icon