ولما كانت السعة مظنة الفرح إلا عند من أخلصه الله وهم أقل من القليل، قال عائباً لمن اطمأن إليها :﴿وفرحوا﴾ أي فبسط لهؤلاء الرزق فبطروا وكفروا وفرحوا ﴿بالحياة الدنيا﴾ أي بكمالها ؛ والفرح : لذة في القلب بنيل المشتهى.
ولما كانت الدنيا متلاشية في جنب الدار التي ختم بها للمتقينن قال زيادة في الترغيب والترهيب :﴿وما الحياة الدنيا في الآخرة﴾
١٤٨
أي في جنبها ﴿إلا متاع*﴾ أي حقير متلاش ؛ قال الرماني : والمتاع : ما يقع به الانتفاع في العاجل، وأصله : التمتع وهو التلذذ بالأمر الحاضر.
ولما كان العقل أعظم الأدلة، وتقدم أنه مقصور على المتذكرين، إشارة إلى أن من عداهم بقر سارحة، وعرف أن ما دعا إليه الشرع هو الصلاح، وضده هو الفساد، وكان العقل إنما هو لمعرفة الصلاح فيتبع، والفساد فيجتنب، وكان الطالب لإنزال آية إلى غير ذلك لا سيما بعد آيات متكاثرة ودلالات ظاهرة موضعاً لأن يعجب منه، قال على سبيل التعجب عطفاً على قوله ﴿وفرحوا﴾ مظهراً لما من شأنه الإضمار تنبيهاً على الوصف الذي أوجب لهم التعنت :﴿ويقول الذين كفروا﴾ أي ستروا ما دعتهم إليه عقولهم من الخير وما لله من الآيات عناداً ﴿لولا﴾ أي هلا ولم لا.