ولما كان ما تحقق أنه من عند الملك لا يحتاج إلى السؤال عن الآتي به، بني للمفعول قوله :﴿أنزل عليه﴾ أي هذا الرسول ﷺ ﴿آية﴾ أي علامة بينة ﴿من ربه﴾ أي المحسن إليه بالإجابة لما يسأله لنهتدي بها فنؤمن به، وأمره بالجواب عن ذلك بقوله :﴿قل﴾ أي لهؤلاء المعاندين : ما أشد عنادكم حيث قلتم هذا القول الذي تضمن إنكاركم لأن يكون نزل إلى آية مع أنه لم يؤت أحد من الآيات مثل ما أوتيت، فعلم قطعاً أنه ليس إنزال الآيات سبباً للايمان بل أمره إلى الله ﴿إن الله﴾ أي الذين لا أمر لأحد معه ﴿يضل من يشاء﴾ إضلاله ممن لم ينب، بل أعرض عن دلالة العقل ونقض ما أحكمه من ميثاق المقدمات المنتجة للقطع بحقية ما دعت إليه الرسل لما جبل عليه قلبه من الغلظة، فصار بحيث لا يؤمن ولو نزلت عليه كل آية، لأنها كلها متساوية الأقدام في الدعوة إلى ما دعا إليه العقل لمن له عقل، وقد نزل قبل هذا آيات متكاثرة دالات أعظم دلالة على المراد ﴿ويهدي﴾ عند دعاء الداعين ﴿إليه﴾ أي طاعته.
بمجرد دليل العقل من غير طلب آية ﴿من أناب﴾ أي من كان قلبه ميالاً مع الأدلة رجاعاً إليها لأنه شاء إنابته كأبي بكر الصديق وغيره ممن تبعه من العشرة المشهود لهم بالجنة وغيرهم، ثم أبدل منهم ﴿الذين آمنوا﴾ أي أوجدوا هذا الوصف ﴿وتطمئن قلوبهم﴾ أي تسكن وتستأنس إلى الدليل بعد الاضطراب بالشكوك لإيجادهم الطأنينة بعد صفة الإيمان إيجاداً مستمراً دالاً على ثبات إيمانهم لترك العناد، وهذا المضارع في هذا التركيب مما لا يراد به حال ولا استقبال، إنما يراد به الاستمرار على المعنى مع قطع النظر عن الأزمنة ﴿بذكر الله﴾ الذي هو أعظم الآيات في أن المذكور مستجمع لصفات الكمال، فالآية من الاحتباك : ذكر المشيئة أولاً دال على حذفها ثانياً، وذكر الإنابة ثانياً دال على حذف ضدها أولاً.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٤٧


الصفحة التالية
Icon