ولما كان ذلك موضع أن يقول المعاند : ومن يطمئن بذلك ؟ فقال :﴿ألا بذكر الله﴾
١٤٩
أي الذي له الجلال والإكرام، لا بذكر غيره ﴿تطمئن القلوب*﴾ فتسكن عن طلب غيره آية غيره، والذكر : حضور المعنى للنفس، وذلك إشارة إلى أن من لم يطمئن به فليس له قلب فضلاً عن أن يكون في قلبه عقل، بل هو من الجمادات، أو إلى أن كل قلب يطمئن به، فمن أخبر عن قلبه بخلاف ذلك فهو كاذب معاند، ومن أذعن وعمل بموجب الطمأنينة فهو مؤمن، ثم أخبر عما لهذا القسم بقوله :﴿الذين آمنوا﴾ أي أوجدوا وصف الإيمان ﴿وعملوا﴾ أي تصديقاً لدعواهم الإيمان ﴿الصالحات﴾ لطمأنينة قلوبهم إلى الذكر ﴿طوبى لهم﴾ أي خير وطيب وسرور وقرة عين ﴿وحسن مآب*﴾ فكان ذلك مفهماً لحال القسم الآخر، فكأنه قيل : ومن لم يطمئن أو اطمأن قلبه ولم يذعن بؤسي لهم وسوء مآب.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٤٧
ولما كان في ذلك فطم عن إنزال المقترحات، وكان إعراض المقترحين قد طال، وطال البلاء بهم والصبر على أذاهم، كان موضع أن يقال من كافر أو مسلم عيل صبره : أولست مرسلاً يستجاب لك كما كان يستجاب للرسل ؟ فقيل :﴿كذلك﴾ أي مثل إرسال الرسل الذي قدمنا الإشارة إليه في آخر سورة يوسف عليه الصلاة والسلام في قولنا ﴿وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم﴾ [الأنبياء : ٧] الآية، وفي هذه السورة في قولنا ﴿ولكل قوم هاد﴾ ومثل هذا الإرسال البديع الأمر البعيد الشأن، والذي دربناك عليه غير مرة من أن المرجع إلى الله والكل بيده، فلا قدرة لغيره على هدى ولا ضلال، لا بإنزال الآية ولا غيره ﴿أرسلناك﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿في أمة﴾ وهي جماعة كثيرة من الحيوان ترجع إلى معنى خاص لها دون غيرها ﴿قد خلت﴾.