فلم يسلكوا السبيل ولا تركوا غيرهم يسلكه، فضلوا وأضلوا، ليس ذلك بعجب فإن الله أضلهم ﴿ومن يضلل الله﴾ أي الذي له الأمركله بإرادة ضلاله ﴿فما له من هاد*﴾ فكأنه قيل : فماذا لهم على ما فعلوا من ذلك ؟ فقيل :﴿لهم﴾ أي الذين كفروا ﴿عذاب﴾ وهو الألم المستمر، ومنه العذب لأنه يستمر في الحلق ﴿في الحياة الدنيا﴾ شاق، بممانعة حزب الله لهم في صدهم عن السبيل إلى ما يتصل بذلك من قتل وأسر، ولهم في الآخرة إن ماتوا على ذلك عذاب ﴿ولعذاب الآخرة أشق﴾ أي أشد في المشقة، وهي غلظ الأمر على النفس بما يكاد يصدع القلب ﴿وما لهم من الله﴾ أي الملك الأعظم ﴿من واق*﴾ أي مانع يمنعهم إذا أراد بهم سوءاً في الدنيا ولا في الآخرة، والواقي فاعل الوقاية، وهي الحجر بما يدفع الأذية.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٥٤
ولما توعدهم على تفريطهم في جانب الله، تشوفت النفس إلى ما لأضدادهم، فكان كأنه قيل : فما لمن عاداهم في الله ؟ فقيل : الجنة، فكأنه قيل : وماهي ؟ فقيل : إنها في الجلال، وعلو الجمال، وكرم الخلال، مما تعالى عن المنال، إلا بضرب الأمثال، فقيل : ما مثلها ؟ فقيل :﴿مثل الجنة التي﴾ ولما كان المقصود حصول الوعد الصادق ولا سيما وقد علم أن الوعد هو الله، بنى للمفعول قوله :﴿وعد المتقون﴾ والخبر محذوف تقديره : ما أقص عليكم، وهو أنها بساتين : قصور وأشجار، فقال الزجاج : الخبر جنة مخبر عنها بما ذكر ليكون تمثيلاً لما غاب عنا بما نشاهد ﴿تجري﴾.
ولما كانت - لو عمها الماء الجاري - بحراً لا بساتين، أدخل الجار للدلالة على أنه خاص ببعض أرضيها فقال :﴿من تحتها﴾ أي قصورها وأشجارها ﴿الأنهار﴾ وقيل : هذا المذكور هو الخبر كما تقول : صفة زيد أسمر.


الصفحة التالية
Icon