ولما كانوا قد طال صبرهم جداً بما طال من بلائهم من فرعون على وجه لا يمكن في العادة خلاصهم منه، وإن أمكن على بعد لم يكن إلا في أزمنة طوال جداً بتعب شديد، أشار إلى أسراعه بخلاصهم بالنسبة إليه لوجرى على مقتضى العادة جزاء لهم على طول صبرهم، فعبر بالإفعال دون التفعيل الذي اقتضاه سياق البقرة فقال :﴿أنجاكم من﴾ بلاء ﴿آل فرعون﴾ أي فرعون نفسه وأتباعه وأوليائه ؛ قال في القاموس : ولا يستعمل إلا لما فيه شرف غالباً، فكأنهم قالوا : من أيّ بلائهم ؟ فقال :﴿يسومونكم﴾ أي يكلفونكم ويولونكم على سبيل الاستهانة والقهر ﴿سوء العذاب﴾ بالاستعباد.
ولما كان السياق للصبر البليغ، اقتضى ذلك العطف في قوله :﴿ويذبحون﴾ أي تذبيحاً كثيراً مميتاً - بما أفاده تعبير الأعراف بالقتل، ومعرفاً بإعادة التعبير بالذبح أن الموت بالسكين ﴿أبناءكم ويستحيون﴾ أي يطلبوا أن يحيوا ﴿نساءكم﴾ لإفادة أن ذلك
١٧١
بلاء آخر ﴿و﴾ الحال أن ﴿في ذلكم﴾ أي الأمر الشديد المشقة من العذاب المتقدم أو الإنجاء أو هما ﴿بلاء من ربكم﴾ أي المربي لكم المدبر لأموركم ﴿عظيم*﴾.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٧٠
ولما ذكرهم بنعمة الأمن رغبهم فيما يزيدهم، ورهبهم مما يزيلها فقال :﴿وإذ﴾ أي واذكروا إذ ﴿تأذن ربكم﴾ أي أعلم المحسن إليكم إعلاماً بليغاً ينتفي عنه الشكوك قائلاً :﴿لئن شكرتم﴾ وأكده لما للأنفس من التكذيب بمثل ذلك لأعتقاها أن الزيادة بالسعي في الرزق والنقص بالتهاون فيه ﴿لأزيدنكم﴾ من نعمتي، فإن الشكر قيد الموجود وصيد المفقود " إن عطائي لعتيد فأرجوه " ﴿ولئن كفرتم﴾ النعمة فلم تقيدوها بالشكر لأنقصنكم ولأعذبنكم ﴿إن عذابي﴾ بإزالتها وغيرها ﴿لشديد*﴾ فخافوه، فالآية - كما ترى - من الاحتباك.